اقتحمت صباح أمس الجمعة 26 أفريل 2019 مجموعة من الطلبة قاعة المحاضرات بكلية الآداب بمنوبة أثناء تقديم ندوة علميّة دراسية من تنظيم وحدة البحث تحت عنوان “الإسلام السياسي في تونس بين المرجعية الاخوانية والخصوصية التونسية” حيث تم إيقاف اشغالها والتهجم على المحاضرين من باحثين واكاديميين وبعض الوجوه السياسية التي واكبت الندوة من بينهم القياديين في حركة النهضة علي العريض وعبد الحميد الجلاصي. واضطر المنظمون إلى إيقاف الندوة، بسبب الفوضى داخل القاعة. وقال الباحث والدكتور محمد الحاج سالم في تصريح لموقع الشاهد إنّ ما وقع أمس في كلية الآداب بمنوبة هو حدّ من الحريات الآكاديمية حيث تم اقتحام قاعة الندوة العلمية وتم منعه من استكمال المداخلة، مبيّنا أنّ “حماية الندوة محمولة على عاتق عميد الكلية الذي تنصّل من مسؤولياته. وأضاف الحاج سالم أنّ العميد يتحمّل المسؤولية وأنّه رفض القيام بأي شيء وقال بالحرف الواحد “ما عندي ما نعمللهم” رغم أنّ الوحدة تحصلت على ترخيص من العميد ومن الكلية مؤكّدا أن الوحدة تعمل منذ 3 سنوات وهي من أرقى الوحدات البحثية وانتجت 6 كتب وينتمي إليها أساتذة من خيرة الاكاديميين في تونس مثل محمد بن الطيب واحميدة النيفر وغيرهما. وأفاد الحاج سالم أن ما حدث اختراق لحرمة الجامعة واعتداء على الحريات الأكاديمية بتواطؤ من عميد الكلية وتابع قائلا: “كل الندوات يقع تصويرها من قبل الجامعة ويتم مدّنا بنسخة من التسجيل إلاّ هذه الندوة فقد أكّد مصور الجامعة أنّه لا يملك آلة تصوير وهو ما يدّل أن الجامعة متواطئة فيما حصل”. وفي ما يخصّ بيان نقابات العملة والطلبة والأساتذة، فقد أكّد الحاج سالم أنّه ليس للطلبة ولا للعملة تقييم الدكاترة الباحثين فهم ليست لديهم لا القدرة ولا الفهم لتقييم أساتذتهم مبيّنا ان محتوى الندوة تمّ إنزاله منذ أسبوع وتم تعليق الملصقات والمعلّقات في الجامعة ولم يعترض أي طرف. وتابع الحاج سالم قائلا “ما يؤسفني أنّ تكون الأستاذة حياة اليعقوبي من ضمن وحدة البحث وتشتغل معنا لمدّة ثلاث سنوات وهي من بين المتدخلين في الندوة غير أنها انسحب قبل المؤتمر بربع ساعة ثم كانت من بين الممضين على البيان رغم أنّها لم تعترض على الندوة بل شاركت في إعدادها. من جانبه، قال الباحث غفران الحسايني في تصريح لموقع الشاهد إنّ الذي حصل في جامعة منوبة أمس هو اعتداء همجي من مجموعة من الطلبة المنخرطين في إطار العمل السياسي بتعلّة إبعاد النأي بالجامعة عن العمل السياسي. وأضاف الحسايني أنه ليس هنالك احترام لمبدأ الاختلاف في الرأي والنقاش الحرّ مبيّنا أن وحدة البحث تعمل بكلّ شفافية وأصدرت 6 كتب وهي بصدد إصدار كتاب سابع عن الإسلام السياسي. وفي ذات السياق، كتب أستاذ علم الاجتماع عبد اللطيف الهرماسي أنّ ” ما حصل اليوم في كلية منوبة أمر مشين و مثير للحيرة” متابعا ” إذا كان المعتدون تصرفوا بوصفهم من الإتحاد العام لطلبة تونس فإنهم إرتكبوا خرقا فادحا لمبدإ الحرية في عمومه وحرية النشاط العلمي بشكل خاص”. وكتب الباحث سامي براهم أنّه "وقع إيقاف الندوة في بدايتها بقطع مداخلة الأستاذ محمّد الحاج سالم عن إشكاليّة مفهوم الإسلام السياسي باقتحام قاعة حسن حسني عبد الوهاب بالشّعارات والصّراخ والتهديد والاحتشاد بالقاعة ورفض تواصل الندوة قبل مغادرة السيد علي لعريض وبعد مغادرته جاء الدّور على السيد عبد الحميد الجلاصي ليقع هرسلته من أجل المغادرة ثمّ وقع إيقاف الندوة وتمزيق معلقاتها اعتراضا على المضمون والمحاضرين. وأضاف قائلا “سلوك لا يمكن أن يوصف إلا بالفوضويّة والفاشيّة والعنف الذي يستهدف الحريّات الأكاديميّة في الجامعة التّونسيّة وحقوق المواطنة، لا ألوم الطّلبة فهم ضحايا عُصَابات الانتماء الأيديولوجي البائس الفقير الخالي من الوعي السياسي والحسّ المدني والسّلوك الحضاري وثقافة العيش المشترك”. وتابع براهم "كانت محاور النّدوة تهدف إلى تفكيك ظاهرة الإسلام السياسي وتحليلها تحليلا نقديّا بعيدا عن المعياريّة والأحكام المسبقة والجاهزة التي تهدف للدّعاية والدّعاية المضادّة، اختبار منهجي ومعرفيّ لإمكانية صياغة خطاب علميّ حول ظاهرة راهنة مثيرة للجدل والمناكفة وبيان مواطن الخلل والالتباس التي تنطوي عليها، لكن العقول الضيّقة التي حجبت عنها غشاوة الأيديولوجيا العمياء القدرة على التّفكير حالت دون فتح باب الحوار والنّقاش الحرّ المفتوح. واعتبرت الباحثة والجامعية رجاء بن سلامة ما حصل في كلية الآداب في جامعة منوبة ب"الخطير"، وأضافت على صفحتها في موقع فيسبوك “انا ضد مصادرة اَي نشاط فكري بالقوة، مهما بكن نوع النشاط ومحتواه. هذا فريق بحث معترف به يقدم نشاطاً يمكن ان ننقده ولكن لا يحق لأي طرف منعه. هذا موقفي وهو موقف منطلقه مبدأ اللاعنف والحريات الأكاديمية ودستور البلاد والقيم الديمقراطية”. من جانبه، كتب النائب بمجلس نواب الشعب وأستاذ علم الاجتماع سالم الأبيض أنّ “ما تخلل الجلسة العلمية الأولى من عنف جسدي ومادي ولفظي وسياسي وإقصاء ومنع من الحضور لبعض وجوه الطبقة السياسية مهما كان انتماؤهم السياسي وخلفيتهم الفكرية والأيديولوجية، ما أدى الى إيقاف أشغال الندوة، لا يمت إلى الديمقراطية وأخلاق المعاملات السياسية والعيش المشترك ونبذ العنف وكافة المبادئ النبيلة بصلة”. وفي ذات السياق، شدّد الأستاذ الجامعي والأديب شكري المبخوت على أنّ إيقاف أيّ نشاط علميّ في منوبة أو غيرها أمر مرفوض بكل شدّة رغم الاتّهامات غير المدعّمة بالمؤيّدات لرئيسة الجامعة والعميد والأساتذة ورغم تفاصيل كثيرة يمكن النقاش فيها على سبيل احترام التقاليد الأكاديميّة وحرية البحث والتعبير على مقتضى شروط العلم. وتابع، في تدوينة كتبها على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، “ليعلم الجميع مرّة اخرى أنّ من تنتصر له اليوم أو من انتصرت له أمس لن يتركك حين تحين الفرصة، فالخطر يهدّد الجميع داخل منوبة وخارجه”، مضيفا “ليعلم الجميع انّ الحرّيّات الأكاديميّة لا تتجزّأ لأن من يقف ضدّها اليوم سيحترق بنار أعدائها غدا”. وختم شكري المبخوت بالقول “بعد الإدانة والتنديد لا بدّ من استخلاص العبر لتبقى الجامعة مكانا للعلم فعلا ولحرّيّة البحث حقا تقبل أصحاب جميع الإيديولوجيّات بما تقتضيه قواعد البحث العلميّ.. علينا جميعا ألاّ نفقد البوصلة وقد رأينا من يسبّ الكلّيّة وطلبتها وكل من فيها.. إما معركة واحدة وإما الفوضى”.