يقطع الليبيون منذ بداية هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس، مئات الكيلومترات غربا في اتجاه الحدود التونسية، فرارا من القصف الجوي والمعارك المشتعلة على الجبهات بأطراف المدينة. ينتظر الفارون ساعات طويلة قرب “راس جدير”، وهو المعبر الحدودي بين البلدين من الجهة التونسية بمحافظة مدنين، في طوابير طويلة وسط سياراتهم، تلسعهم حرارة الصحراء ولهيب فراق الأحبة في شهر رمضان الكريم. تنطلق الرحلة الشاقة المحفوفة بالمخاطر من طرابلس حتى الوصول إلى بوابة المعبر، فإن وجدت مفتوحة ينتظرون دورهم للعبور، وإن وجدت مغلقة يتجهون بضعة كيلومترات جنوبا إلى معبر “ذهيبة وازن” بمحافظة تطاوين. في حديثه للجزيرة نت، يقول صالح، وهو ليبي من ساكني طرابلس، فر إثر تردي الأوضاع الأمنية بالمدينة رفقة عائلته، “هربنا لأن الموت يداهمنا في كل لحظة”. ويؤكد كلامه ابنه عزيز “لا أحد يريد مغادرة بلده، لكن الموت يلاحقنا فعلا بسبب الحرب”. ولا يعد بلوغ المعبر المتنفس الأخير، فإجراءات الجمارك والتفتيش الأمني ليس أقل وطأة من تعب الطريق، ولا سيما أن الانتظار يدوم لساعات طويلة وحتى لأيام أحيانا. نيران حفتر في كل مكان ولا يستثني قصفه أحدا”، هكذا علقت فاطمة التي دخلت تونس رفقة زوجها وأطفالها. تقول للجزيرة نت والدموع تملأ عينيها “جئنا إلى تونس لأنها آمنة.. أتمنى الاستقرار لبلدي ليبيا”. قصف عشوائي بدوره، يقول منصور الذي غادر بلدية أبو سليم بعد يومين من بداية الهجوم على طرابلس، “كان الوضع مرعبا فالصواريخ تسقط في كل مكان والنيران تلتهم كل شيء.. منزلي انهار كليا”. يضيف وعبرات الحزن تخنقه “الحمد لله أنني نجوت من موت محقق”. من جهته، يروي ناجم -اسم مستعار- وهو أحد ساكني طرابلس، حادثة قتل رجل وزوجته على يد قوات حفتر، وهما بصدد الهروب من الاشتباكات “كان المشهد غير إنساني بكل معنى الكلمة”. وحسب عدد من الليبيين الذين عبروا إلى تونس وسألتهم الجزيرة نت، فإن قوات حفتر لا تفرق بين مدنيين أو عسكريين، فالقصف يطال الجميع دون استثناء. وتعليقا على التطورات في طرابلس، يقول محمد -وهو ليبي قاطن في تونس- “لا نريد حكما عسكريا ولا نريد مستقبلا تحت حكم العسكر بأي ثمن، التجربة المصرية خير دليل على دكتاتورية هؤلاء وإلا ما فائدة ثورتنا التي ذهب ضحيتها الآلاف”. لجوء ثم إقامة ولم تهدأ الأوضاع الأمنية الليبية منذ اندلاع ثورة فبراير/شباط 2011، مما اضطر آلاف الليبيين إلى مغادرة بلادهم واللجوء إلى تونس البلد الأقرب جغرافيا وعرقيا، حيث يشترك البلدان في تقارب اللهجات والعادات والتقاليد. ويفوق عدد الليبيين المقيمين بتونس سبعة آلاف، حسب إحصائيات السفارة الليبية بتونس، فمنهم المقيمون بصفة دائمة ومنهم اللاجؤون ومنهم السياح. ويتوزع الليبيون سكنيا على الأحياء الراقية في العاصمة تونس، على غرار حي النصر والمرسى والبحيرة. في المقابل، يخير الآلاف البقاء في الجنوب الشرقي التونسي، وبالأساس في جزيرة جربة ومحافظتي قابسوتطاوين، نظرا للقرب الجغرافي لبلادهم وتدني أسعار تأجير المنازل مقارنة ببقية محافظات الشمال والمحافظات السياحية الأخرى. صعوبات ورغم نقاط التلاقي ثقافيا واجتماعيا ودينيا، فإن العيش في تونس لا يخلو من صعوبات بالنسبة للاجئين الليبيين خاصة مع غلاء الأسعار والمعيشة الذي تشهده تونس، وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن الليبي. في هذا السياق، يقول فاتح -وهو معلم ليبي وأحد الفارين رفقة زوجته من طرابلس- “نعاني من أزمة سيولة في بلدنا بعد الهجوم الأخير على طرابلس ونجد صعوبة في العيش هنا، فالإيجار باهظ الثمن والمعيشة مكلفة”. وتتفاقم المعاناة لدى من يدخل تونس لأول مرة، فيلجأ مباشرة للهلال الأحمر التونسي طلبا للمساعدة. ويقول رئيس الهيئة الجهوية للهلال الأحمر في مدنين منجي سليم للجزيرة نت، إن ثلاث عائلات ليبية أتت مؤخرا لمركز الهلال الأحمر بعد نفاد أموالهم.