“الإصابة بفيروس كورونا أخف ضررا على جسدي واقل وقعا على نفسيتي من الجحيم الذي أعيشه لمدة فاقت الشهر.. أن اقضي كامل ساعات اليوم معه تحت سقف واحد أشبه بعملية انتحار … صحيح أن زوجي فقد مصدر رزقه بسبب فرض الحجر الصحي العام بالبلاد لكن ما افقده يوميا لا يقدر بثمن.. صحتي وكرامتي وأطفالي….” إغرورقت عيناها بالدموع وغصت الكلمات في حنجرتها ..لم تتمكن مريم “اسم مستعار” من مواصلة حديثها عن معاناتها اليومية عن التعنيف المادي والمعنوي الذي تتعرض له. “مريم” عينة من النساء التونسيات اللاتي تعانين من وباء العنف الأسري الذي اجتاح العائلات التونسية في الظروف الاستثنائية الراهنة أرقام مفزعة كشفتها الإحصائيات الأخيرة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بينت أن العنف ضد المرأة تضاعف 7 مرات منذ بداية الحجر الصحي العام وانه خلال كل 45 دقيقة تتعرض امرأة للعنف. الضغوط الاقتصاديّة والاجتماعيّة ابرز مبررات العنفمع انتشار فيروس “كوفيد 19” ارتأت الحكومة أن أئمن مكان للأسرة هو المنزل كما وفرت حسب إمكانياتها المتواضعة ظروف ملائمة لملازمة البيوت والاحتياط قدر الإمكان من خطر العدوى بالفيروس لكن هذا المكان الآمن تحول إلى خطر حقيقي يهدد صحة وسلامة المرأة التونسية وأطفالها. فقد تسبب الحد من حرية الرجل التونسي في التنقل والخروج للعمل أو لاحتساء القهوة وإجباره بقوة القانون على الالتزام بإجراءات الحجر الصحي في ضغط نفسي واقتصادي خاصة على محدودي الدخل مما يجعله في مشاحنات يومية مع شريكته تنتهي في غالب الأحيان بتعنيفها.وتعتبر الإحالة على البطالة الفنية و فقدان موطن الشغل من ابرز المبررات التي يستعملها التونسي لتبرير سلوكه العنيف فيما يؤكد باحثوا اجتماع أن تواجد الأسرة طوال اليوم في مساحة ضيقة يخلق أجواء مشحونة لكنه ليس مبررا للعنف. دق ناقوس الخطرلمجابهة جائحة العنف ضد المرأة التي ألقت بظلالها على التونسيات رفعت وزارة المرأة شعارات ” موش كان الكورونا وباء حتى العنف وباء” و”ما تسكتش صوتك مسموع” لتحفيز المعنفات على التبليغ وإنقاذهم من براثن أزواج وجدوا ضالتهم في صب جام غضبهم وقلقهم على الحلقة الأضعف في محيطهم وانتهزوا الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد والذي منع المعنفات من تقديم الشكاوي أو مقاضاتهم. وإزاء الخطر المحدق بالمعنفات تضافرت مجهودات الدولة والمجتمع المدني لبحث سبل الإحاطة بالنساء المعنفات والتعهد بهن وبأطفالهن وقد خصصت وزارة المرأة مركزا لإيواء النساء اللاتي تعرضن للعنف كما تولت التنسيق مع وزارة الداخلية لمراجعة الاعتمادات المالية المرصودة للوحدات المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل من جهتها أطلقت جمعية النساء التونسيات بالتعاون مع وزارة المرأة حملة توعية تحت شعار “ماكش_وحدك”. وبتعاون ثنائي بين الاتحاد الوطني للمرأة التونسية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تم وضع رقم اخضر “80102222” على ذمة الاتحاد لمعاضدة المجهودات المبذولة للحد من العنف الأسري. “عنف فترة الكورونا” ظاهرة عالمية لا تقتصر ظاهرة تصاعد العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي على المجتمع التونسي فقط بل هي ظاهرة عابرة للقارات تأججت بتفشي جائحة كورونا وفرض إجراءات العزل الصحي من قبل الحكومات. فقد سجلت فرنسا ارتفاعا في نسبة العنف الأسري منذ انطلاق إجراءات العزل الصحي قدر ب 30 بالمائة كما سجلت الأرجنيتن زيادة في بلاغات العنف ضد المرأة ب 25 بالمائة اما في قبرص وسنغافورة فقد ارتفعت عدد الشكايات من العنف الأسري بنسبة 30 و33 في المائة على التوالي. أما بالنسبة للعالم العربي فقد ارتفعت نسبة بلاغات العنف ضد المرأة بلبنان خلال شهري مارس وافريل بنسبة 180 بالمائة مقارنة بالشهرين السابقين كما دعت العديد من الدول على غرار تونس والمغرب إلى مجابهة تنامي العنف ضد النساء. وعلى اثر التقارير المشيرة إلى تصاعد وتيرة العنف دعا الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة “أثنى أنطونيو جوتيريس” إلى حماية النساء والفتيات، من العنف الأسري كما أكد على ضرورة وضع الحكومات سلامة النساء أولا في استجابتها للوباء.