… في تصريح لاحدى وسائل الاعلام أفاد " الشاعر "المنصف المزغني" بأن النهضويين يخجلون اليوم من التصريح بانتمائهم في الشارع وأضاف بأن السيناريو المصري سيتكرر في تونس في اشارة ضمنية منه الى سيناريو الانقلاب العسكري على ارادة الشعب المصري. تصريح أقل ما يقال فيه أنه صادر عن شخص برعت في رمي الكلمات دون وزن ولا تقدير كما تعودت رمي كلمات أبعد ما يكون عن أوزان الشعر وقوانينه وقوافيه ، فكما برع المزغني في كتابة كلمات أقرب الى الطلاسم و أبعد ما تكون عن الشعر يتفوه اليوم بتصريحات في مجال السياسة أبعد ما تكون عن فهم الواقع السياسي الذي تعيشه بلادنا، وإلا فانه لا أمر يثير السخرية أكثر من قول السيد المزغني أن النهضويين يخجلون من انتمائهم ولا يجاهرون به ، وكان الاحرى به القول أن الثورة نجحت في جعل من صفقوا ونظموا الشعر في ظل المآدب السلطانية يخجلون اليوم من ماضيهم ويسعون الى تنظيفه بالارتماء في أحضان أحزاب سياسية معروفة المنشئ معلومة الأصل ، في حين أن النهضويين قد حافظوا على تمسكهم بانتمائهم لحركتهم رغم المحن والسجون والقتل والتشريد ورغم اختلافهم مع قياداتها في بعض توجهاتهم وخياراتهم. لقد نسي "شاعرنا" أو تناسى أو قل أنه جهل أن الانتماء الى حركة النهضة هو انتماء الى ماضي مشترك من النضالات و العذابات، ماضي من التشريد والمحن، ماض مشترك من الأحلام والنجاحات. فمن يمكنه أن يخجل من نجاحاته ومن نضالاته؟ ان صاحبنا قد انطلق في الحقيقة من واقع ذاتي لشاعر يخجل من إخفاقاته الأدبية والأخلاقية ، فأدرك معنى الخجل لكنه فشل في تقدير، أما في تعلق بقول الشاعر الحالم ان السيناريو المصري سيتجدد في تونس فهذا دليل على أمرين متلازمين، أولاهما نقمة هذا المزغني -وأمثاله ممن روجوا ويروجون لهذا القول -على الشعب الذي قام بالثورة وطرد الراعي ويتم رعيته وتمنى المزغني للشعب من كل أعماقه ثورة مضادة تدخله غياهب المجهول، وتجهز على حلم الحرية الكرامة ، الأمر الثاني هو أن صاحبنا يجهل تمام الجهل طبيعة المؤسسة العسكرية في البلدين وطبيعة التركيبة البشرية في كل من تونس ومصر. فلئن واجه الإخوان انقلابا عسكريا فذلك يعود الى النفوذ الواسع للمؤسسة العسكرية في مصر ومدى الضرر الذي قدرت أنه سيلحقها لو استمر حكم الرئيس "محمد مرسي". زيادة على ان التركيبة البشرية المصرية شديدة الحساسية لكونها تشكلت من المسلمين والأقباط وغيرهم ما يسهل على الأيادي العابثة تحريك ورقة الأقليات الدينية وتحريك مشاكل غير موجودة إلا في أذهان صناع المؤامرات ، وهو ما استند اليه قادة العسكر في انقلابهم، حيث اشتغلوا على محور التعددية الطائفية ومصلحة "الإخوة الأقباط" -وكأن نظام الإخوان قد مس من مكانتهم- وفعلا مثلت هذه الورقة الطائفية ركيزة قوية للانقلاب على حكم الإخوان بمصر. لقد نسي المزغني أو تناسى أن النهضويين هم جزء من تراب هذه الأرض وجزء من مائها وهوائها ، هديل حمامها وغيث مطرها وسحابها، جزء من تاريخها الحافل بالنجاحات والأمجاد.، هم يستمدون جذورهم من فكر خير الدين وإصلاحاته التي أفضت الى كتابة أول دستور في العالم العربي الإسلامي ويساهم اليوم أبناءها في كتابة أول دستور بعد الثورة. فعد الى وجدانك واحتمي بعقلك وابحث في خبايا نفسك ، ستجد أنك ظاهرة صوتية دخيلة على سماء هذا الوطن وانك عابر..عابر. لطيفة شعبان