أخبار تونس على أجنحة الشيء ونقيضه انبنت مسرحية ” تصادم” إذ هي: الصمت والكلام، الحركة والسكون، الأمل واليأس...وغيرها من الثنائيات أبت أن تغيب عن المشهد المسرحي في هذا العرض البلجيكي الذي احتضنه فضاء نجمة الشمال مساء يوم الجمعة 20 نوفمبر وذلك ضمن العروض المبرمجة في قسم الانفتاح لهذه الدورة 14 و قام بدور البطولة في هذا العمل كل من بيرانجار بودان و أوليي تاسكين، والمسرحية من تصور إيزابيلا سوبار، وقد وضع سيناريو قصتها، وأشرف على الإضاءة فيها جيم كلايبورق. وقد استقطبت هذه المسرحية جمهورا كبيرا من رواد أيام قرطاج المسرحية وشدت انتباهه لطرافة الفكرة، إذ تبدأ المسرحية بإطلالة البطل الذي كان مأخوذا بالحركة والتساؤل، في حوار مع نفسه ليتردد صدى حيرته بقوة ويسافر معه في حركة سريعة ومتواترة تعكس مدى القلق الذي يسكنه أما ديكور المسرحية فكان بسيطا و لكنه أخاذ وذلك لحسن توظيف الإنارة، إذ بدت فوانيس الإنارة متدلية وكذلك الميكروفون، مما سهل على الأبطال الكلام والسفر على أوتار الرقص على ضوء الفانوس أو محاولة الطيران والتحليق وذلك بالتشبث بالحبال في حركة سحرية. وتتخذ المسرحية من الجدل بين امرأة ورجل حول أحداث هامة كان من الممكن ألا تقع أوهي كانت منتظرة بطريقة مغايرة، محور اهتمام عنه تولدت مجموعة من الرؤى الأخرى وقد تجسد ذلك على الركح من خلال الأبطال أو من خلال لقطات الفيديو التي تعرض على الشاشة العملاقة والتي احتفت هي الأخرى بالحركة. في شكل لوم و عتاب ورفض تنسج أحاديث الأبطال، إذ هم يعيشون صدمة كبرى جراء وقوع هذه الأحداث والتي سببت ردة فعل استنكارية لدى البطلين جسدتها علامات النفي: لا. لا. ومن هذا المنطلق كان الرقص على أوتار الواقع و الخيال، العالم الافتراضي المجرد والعالم المادي الملموس...والذي كان مرفوقا بعزف جميل ورقص للبطلة رشيق، إذ هي ترقص أحيانا و تتأرجح أحيانا أخرى و تقف أمام دفاترها تتصفحها أو تجدها تحاور البطل في لغة سلسة وصعبة في الآن نفسه. وتجتذب أطراف الحديث معه بتساؤلات حول مواضيع شتى منها: الطفولة و الطبيعة والشعر والكلمات...تأخذك الكلمات إلى عالم جديد من الرؤى من خلاله تحلم البطلة بتفاعلات جديدة. وجسدت اللوحة الفنية للمسرحية بعمق فلسفي كبير ورؤية ثاقبة، موقفا من الحياة البشرية مشحونا بالرفض والثورة لأحداث وقعت وخلفت الدهشة والاضطراب في نفوس الأفراد ومن ذلك كانت الحيرة: حركة و أحاسيس، صدام أو تصادم، وهي أساسا مجموعة من التراكمات من السيناريوهات لجدل ولغة الجسد. و قد عكس عمق البعد الفلسفي للعمل نهل صاحبة العمل من مختلف الفنون الأخرى من سينما وموسيقى و فن تشكيلي، هذا فضلا عن انفتاح هذه المسرحية على رؤية فلسفية عكستها بوضوح المفردات اللغوية. و قد بدت المسرحية، والتي دامت 30 دقيقة مؤثرة ومحيرة في آن، إذ هي حوار بين شخصين وفي نفس الوقت منولوج، فقد قامت على ازدواجية في الأقوال والأفعال والرؤى والألوان...هناك اضطراب لكنه اضطراب مؤسس، مما أعطى المسرحية بعدا فلسفيا كبيرا يذكر بتيار الوجودية والذي ما فتئ الإنسان يتساءل فيه عن سر وجوده و سر سعادته وشقائه كلما عاش على وقع الاصطدام أو التصادم مع واقع مرير.