افتتح السيد محمد الغنوشي الوزير الأول مساء يوم الجمعة الدورة الرابعة والعشرين لأيام المؤسسة التي ينظمها يومي 11 و12 ديسمبر الجاري بمرسى القنطاوي المعهد العربي لرؤساء المؤسسات تحت سامي إشراف الرئيس زين العابدين بن علي. وثمن الوزير الأول في كلمته اختيار موضوع “الدولة والمؤسسة” محورا لهذه الدورة في ضوء التطورات التي يشهدها العالم ولاسيما الأزمة الاقتصادية العالمية وما ولدته من مقاربات غيرت الكثير من المفاهيم حول دور الدولة والمؤسسات. ولاحظ أن من ابرز الاستنتاجات المستخلصة من الفترة المنقضية هي أن النظام الليبرالي المطلق الذي يترك للسوق الحرية الكاملة بعيدا عن كل الضوابط وعن كل دور تعديلي للدولة أصبح محل جدال ونقاش وتراجع. وأضاف انه اتسعت جراء ذلك الهوة بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد المالي الذي انصرف إلى الربح السريع في حين كان يفترض ان يكون سندا للاقتصاد الحقيقي ولقطاعات الإنتاج. وبين انه من الاستنتاجات المستخلصة من الأزمة العالمية أن أطر الرقابة على المؤسسات العالمية ووكالات الترقيم أثبتت عدم قدرتها على التنبوء بعمق الأزمة وعلى معالجتها وكذلك عودة الدول بكل ثقلها في البلدان المصنعة وبعض الدول الصاعدة لإقرار إجراءات تدعم القطاع البنكي وتوظيف مبالغ خيالية في هذا الصدد. وبين السيد محمد الغنوشي انه برزت في خضم هذه التطورات توجهات وتحاليل تستهدف إدخال تعديلات على الحوكمة سواء بالنسبة للدولة أو المؤسسات المالية العالمية أو المؤسسة الاقتصادية والمالية مشيرا في هذا الصدد إلى تباين الآراء في ما يتصل بتجنب التدخل المباشر للدولة أو ضرورة فرض ضوابط في مختلف الميادين لضمان الاستقرار المالي والنقدي. وعبر عن الامل في أن يساعد الحوار الذى ينتظم خلال هذه الدورة من الإحاطة بمختلف المعطيات والمقاربات وتبادل الروى حول المعادلة المطلوبة بين مسؤولية الدولة ومسؤولية المؤسسة بما يمكن من تفادى الانحرافات . وأكد الوزير الاول أهمية توثيق الروابط بصفة مستمرة بين الدائرة الاقتصادية والمجال المالي بهدف التوقي من اي انزلاق في المالية الافتراضية مما يملي اعادة النظر في اليات التعديل ووضع مزيد من الضوابط في مجال الاقتراض واحكام ادارة المخاطر واعادة النظر في دور وكالات الترقيم وتوخي مزيد الحذر في التعامل بالمنتجات المالية المعقدة. وشدد في السياق ذاته على ضرورة اقرار برامج استثنائية لمساندة البلدان النامية والصاعدة التي تأثرت بصفة ملموسة من تداعيات الازمة العالمية بتوفير تمويلات اضافية بشروط ميسرة من قبل المؤسسات المالية العالمية والتجمعات الاقتصادية الكبرى مما يمكن من تعزيز بنيتها الاساسية وتجهيزاتها الجماعية وتثمين مواردها البشرية وتقليص اثار الازمة ويدعم ايضا اقتصاد البلدان المصنعة. وابرز السيد محمد الغنوشي ايجابيات تعدد الاقطاب التنموية في العالم من حيث ضمان التنمية المستديمة والاستقرار والسلم في العالم مشيرا الى اهمية الاسراع في المفاوضات متعددة الاطراف بالدوحة كاشارة قوية الى انتهاء النزعة الحمائية والى اهمية التعاون كمحرك اساسي للسلم والاستقرار في العالم. وأضاف ان تونس تتابع بكل اهتمام ما يدور في العالم من اطروحات وافكار في ضوء اختيارها الواعي الاندراج في الاقتصاد العالمي وهي تواصل طبقا لهذا المنهج الذى ارساه رئيس الدولة والذى أثمر نتائج متميزة في مجال توظيف اقتصاد الشراكة لدعم المسيرة الاقتصادية الوطنية تكريس المعادلة المجدية المرتكزة على توزيع الادوار بين الدولة والمؤسسة على نحو يمكن الدولة من التفرغ الى وظيفتها الجوهرية ويفتح افاقا رحبة امام المؤسسة. وبين ان المنهجية المعتمدة بتعليمات من الرئيس زين العابدين بن علي للتعامل مع المتغيرات تحظى بوفاق وطني وهي ترتكز على تشريك المؤسسة ومختلف الاحزاب والمنظمات الوطنية والاطراف المعنية في ضبط السياسات المجدية مشيرا في هذا الصدد الى الاجراءات السريعة المتخذة التي جمعت الجانبين الظرفي والهيكلي لمساعدة المؤسسات وكذلك الى اللجنة الوطنية المحدثة للغرض بهدف متابعة الاوضاع والتفاعل معها. واوضح الوزير الاول ان تدخل الدولة في هذا المجال اعتمد عدة ثوابت تتمثل في دعم النجاعة الاقتصادية ودعم التلازم بين الابعاد الاقتصادية والاجتماعية ودفع التنمية الجهوية وتحفيز المبادرة الخاصة في اطار توزيع الادوار بين الدولة والمؤسسة والحفاظ على التوازنات المالية مع اتخاذ التعديلات الضرورية كلما استلزمت الاوضاع ذلك. وافاد ان تدخل الدولة لا يقتصر على الفترات الصعبة بل يعتمد دراسات استشرافية بعيدة المدى ومحينة باستمرار لتحسين الاستثمارات واقرار سياسات جبائية ونقدية مثمرة وتثمين الموارد البشرية ودعم البنية الاقتصادية. واكد السيد محمد الغنوشي ان البرامج الرئاسية التي وضعت في هذا المجال لقيت اجماع مختلف الاطراف الوطنية تضمنت منهجية ثابتة دعمت قدرة البلاد على تحقيق الاهداف التنموية مما ضمن سلامة الاقتصاد الوطني وتنمية الاستثمار الداخلي والخارجي مسجلا في هذا الصدد بارتياح تجاوب المستثمرين الاجانب مع هذه التوجهات اذ ارتفع عدد المؤسسات الاجنبية في تونس الى ما ينيف عن ثلاثة الاف توفر اكثر من 250 الف موطن شغل منها عديد المؤسسات الكبرى ذات المحتوى التكنولوجي العالي. وابرز الوزير الاول من ناحية اخرى الارتفاع المسجل في نسبة مساهمة القطاع الخاص في النمو الاقتصادى اذ بلغت معدل 60 بالمائة من جملة الاستثمارات مقابل 40 بالمائة قبل توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي مشيرا الى مساهمة القطاع الخاص في احداثات التشغيل بقرابة 90 بالمائة وفي التصدير ب85 بالمائة وفي الناتج الاجمالي المحلي ب75 بالمائة. وبين ان معدل النمو ولئن بلغ في السنوات الاخيرة معدل 6 بالمائة فانه يتوقع ان لا يتجاوز هذه السنة 3 بالمائة بسبب الازمة العالمية موكدا ان تونس تستعد لتحقيق نمو يفوق 6 بالمائة بعد انتهاء الازمة العالمية. وثمن الوزير الاول في خاتمة كلمته تطور تظاهرة ايام المؤسسة الى مستوى متوسطي وعربي وافريقي مؤكدا ان العمل الاقتصادى الانفرادى انتهى عهده وان خيار العمل الجماعي الاقليمي الذى ينتهجه رئيس الدولة كفيل بتعزيز قدرات البلاد الاقتصادية مذكرا بسعي تونس الثابت الى تعزيز التعاون والتكامل بين البلدان المغاربية والاتحاد الاوروبي والدول المتوسطية وعلى تحقيق رهان الاندراج في اقتصاد المعرفة والتجديد التكنولوجي. وكان السيد شكيب نويرة رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات عبر قبل ذلك عن اعتزاز اعضاء المعهد بقبول الرئيس زين العابدين بن علي وضع هذه التظاهرة تحت سامي اشرافه مبرزا الدور الهام الذ تضطلع به الدولة في المحافظة على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع القطاع الخاص وتفعيل دور الادارة والاطارات الكفاة في المسيرة الاقتصادية. ولاحظ أن البرنامج الرئاسي للخماسية القادمة يجسم الاطار الامثل لتحقيق هذه الاهداف.