مثل موضوع “اتصال القرب في الإذاعة .. آلياته ومظاهره” محور ندوة وطنية احتضنتها كامل يوم السبت مدينة تطاوين تتويجا للدورة التدريبية التي نظمتها الإذاعة التونسية بالتعاون مع المركز الإفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين من 10 الى 15 نوفمبر الجاري. وفي كلمة افتتاحية أبرز السيد رافع دخيل وزير الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين أن هذه الندوة تندرج في سياق اختيارات تونس الإعلامية منذ التحول والتي أعادت الاعتبار للبعد الجهوي ليصبح قطبا محوريا في المشهد الإعلامي الوطني. وأضاف أن هذا التوجه يتنزل صلب المشروع التحديثي لرئيس الدولة الذي ينزل الجهة مكانة محورية في العملية التنموية الشاملة مذكرا في هذا السياق بإحداث ثلاث إذاعات جهوية منذ التحول. ولدى تطرقه لموضوع الندوة عرف السيد رافع دخيل مفهوم القرب بأنه ممارسة اتصالية تجعل العالمي محليا وتنزل الحدث الجهوي في سياقه الوطني والعالمي دون تقوقع أو انغلاق مشيرا الى أن العامل الجغرافي ليس المعيار الوحيد أو الأهم لتحديد مفهوم إذاعة القرب بل انه يعني أن “تقدم للمستمع ما يواكب مشاغله ويستجيب لانتظاراته وأن تجعل منه شريكا فاعلا في تأثيث البرامج ومساهما في تصورها“. وابرز الوزير ما يشهده الإعلام في تونس من تطور حقيقي من تجلياته النقلة النوعية التي سجلتها الإذاعة التونسية بالخصوص بفضل قرار رئيس الدولة فصل الإذاعة والتلفزة على مستويات الهيكلة والتجهيزات والإنتاج والبرمجة والبث وهو ما يحمل الإذاعة مسؤولية مضاعفة الجهد لمواصلة الاضطلاع بدورها كدعامة لمشروع التغيير الإصلاحي. ودعا في هذا المضمار الى أن تكون الإذاعة الوطنية والإذاعات الجهوية بالأساس فضاءات اتصالية ذات خصوصية مستمدة من تميز وتمايز الفضاء الاجتماعي الثقافي المنخرطة فيه وان تكون منارة في إقليمها وفضاء للأفكار والمبادرات ورافدا من روافد التنمية الجهوية. كما دعا السيد رافع دخيل الى التحلي باليقظة في التعامل مع الأحداث ومزيد الجرأة في كيفية تناول الخبر وفق طريقة عمل جديدة تستجيب لمقتضيات المرحلة وللمواصفات اللازمة للثقافة الرقمية وتقطع مع المتداول والمألوف بما يعطي للحدث القيمة والأهمية اللتين يستحق. وأكد ضرورة التفكير في إيجاد مقاربة موحدة لاستعمال لغة عربية صحيحة مبسطة تمشيا مع قرار رئيس الدولة الداعي الى العناية باللغة العربية بما يتطلب الاستئناس بخبرة الأساتذة المختصين والإعلاميين في إطار ندوة للوصول الى أفكار ومقاربات في هذا الخصوص وذلك بهدف مزيد تطوير المشهد الإعلامي. على صعيد آخر أعلن السيد رافع دخيل في كلمته الختامية لأشغال هذه الندوة عن جملة من الإجراءات منها معالجة الأرشيف السمعي البصري تدريجيا تنفيذا لقرار رئاسي في هذا الشأن مبينا أن الوقت قد حان للبث عبر الانترنات وان الوزارة على استعداد لتذليل كل الصعوبات. واقترح السيد رافع دخيل تنظيم لقاء شراكة بين المنتجين في مؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسيتين من جهة ورجال الأعمال وأصحاب الشركات من جهة أخرى لتبني برامج يقع إعداد مشاريعها بدقة وقيس نسبة الاستماع إليها وذلك بهدف تنمية الإشهار والتسويق مفيدا أن خريجي التعليم العالي يمكنهم إبرام عقود إنتاج مع مؤسستي الإذاعة والتلفزة. وكانت ندوة “اتصال القرب في الإذاعة .. آلياته ومظاهره” التي تميزت بحضور ثلة من مسؤولي وسائل الإعلام الوطنية وعدد هام من الإعلاميين بالإذاعات التونسية مناسبة لتقديم عدة مداخلات بحثت مفهوم القرب في العمل الإذاعي مع استعراض تجارب إذاعية. وفي هذا الصدد تناول السيد محمد شلبي مدير المركز الإفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين في مدخل تحليلي لإعلام القرب في الإذاعة تواصل القرب في الإذاعة وعلاقة ذلك بالتطور التكنولوجي ولاسيما الانترنات وما سيليه من بث إذاعي رقمي مبينا أن الإذاعة هي الوسيلة الإعلامية الأقرب للناس والسبيل الأفضل لإنشاء علاقة تواصل مع المستمع. وأكد ضرورة أن يكون للإذاعة موقع على الانترنات وان تستفيد من التطور التكنولوجي مشيرا الى ضرورة اعتماد البث الرقمي بما يجعل التعامل مع المضامين يتخذ أشكالا متعددة ويفترض خصوصيات . ودعا الى ضرورة معالجة المادة الإعلامية دون إغراق في المحلية والتفتح على المحيط الدولي دون تلاش. وفي مداخلة حول “اتصال القرب في الإذاعة.. نظرة عالمية” ابرز الإعلامي والكاتب ادم فتحي أن الأصل في الإذاعة القرب وان القرب ثقافة وذهنية تعتمد على تأسيس المشافهة وعلى الحوار والتمكن من آدابه. وعرف السيد زهير بن احمد في مداخلة له حول”واقع القرب بالإذاعة التونسية.. نظرة داخلية” إذاعة القرب بأنها المشدودة الى تربتها والمتشبعة بما يحتويه محيطها من ثقافة وخصوصيات دون تقوقع مع الانفتاح على الفضاء المعولم. وقد أفضت هذه الحلقة التكوينية الى جملة من النتائج تتمثل بالأساس في تشعب وتفرع مفهوم القرب وتطبيقاته المتعددة في الإذاعة وفي أن اتصال القرب يعني البحث عن الطريقة المثلى لتقديم ما يهم المستمع عن قرب ويشغل باله مع العمل على ضبط أهداف مدققة ومحددة للعمل الإذاعي. وانتهت الدورة التكوينية التي تناولت النظرة العلمية لاتصال القرب والتجربة العلمية والأساليب الممكنة لاتصال القرب الى بلورة جملة من المفاهيم تتصل خاصة بتحديد خصال الصحفي لتحقيق إذاعة القرب سيما على أصعدة ضبط محتوى برنامجه وتوخي الدقة والوضوح والتمكن من النطق الجيد والسليم لتحقيق تواصل جيد مع المستمع. وتم من جهة أخرى في إطار أشغال الندوة تقديم تجربة “إذاعة الجوهرة” في تجسيد اتصال القرب في الإذاعة والتعريف ببوابة المركز الوطني للتوثيق. وتناول المتدخلون في هذه الندوة عدة مسائل تتعلق بتطوير المضامين الإذاعية واعتماد التكنولوجيات الحديثة وتوسيع رقعة البث وخاصة عبر شبكة الانترنات سعيا الى الوصول الى اكبر عدد ممكن من المستمعين. وأشاروا الى أهمية علاقة المستمع بالمنتج وتنوع المنتوج الذي يستجيب لتطلعات الطرفين مكبرين المكاسب العديدة التي تحققت في عهد التحول للقطاع الإعلامي وللعاملين فيه. وسلم السيد رافع دخيل في خاتمة هذه الندوة مدير الإذاعة الوطنية الميدالية الذهبية التي فازت بها الإذاعة في مهرجان القاهرة للإعلام العربي.