ثلاثون عاما وأنت تحرث أرضهم بمناجل من فضة الروح ورهق السفر والابتعاد عن ينابيع الذات تقلب الأرض التي يزرعون احشاءها بهديل الغيوم تترك للفراشات فرصة ان تقيس لأجنحتها فضاءات اللون. وتشعل في صدرها قناديل الضوء وشهد الكلام ثلاثون عاما أو تزيد وأنت تسرق نفسك من رحيق الكلام متخذا من وردة الريح بيتا ومن أسرة الجليد غطاء ومن شظف المحبة كسرة ود يابسة لا تغني ولا تسمن من جوع ومع ذلك كنت تقتات منها حليب الرضا وتهندس فيها جنة الأماني ثلاثون عاما وأنت تقيس التربة بالمنجل وتحفر فيها وطنا للروح وشجرا للطفولة ومواسم للعصافير القادمة في البدء تساءلت عن مفاوز الحزن بذرت في احشائها اسئلتك الأولى: من أين يجئ الحزن؟ وكانت وجوههم في شفافيتها مرايا الانتحار الاجابات البكر: يبدأ الحزن من ساحة تتباطأ في مشيها نحو ذاكرة الماء لكنها ليس تلغي مواعيدها ثم اتسعت وردة السؤال، صارت سماء بحجم صفاء الحدقة واتساع خرائط الرؤية وامتداد نهاياتها.. صارت الروح ظل شجرة وكانوا عصافيرها الأولى وجزرها الخضراء المتدلية من جسد الروح وكان الدم فيها موصولا بالحلم والشبابيك مسكونة ببياض الكفن لم يكونوا ولم تكن قبل أكثر من عشرين عاما سوى قطرة من دماء وماء وكل الذي كان بعد جنائن حلم بعرض السماء ولم تزل أنت وحدك بمنجلك اليتيم تحرث غيمهم الهارب وتزرع فيه دورة للبقاء اليانع وكنت وكانوا منذ ثلاثين عاما وأكثر كنت لا تملك في قلبك أكثر من زيت لقنديلك الأخضر وكنت تخاف على القناديل الراعشة حتى من أنفاسك المبهورة كان للريح حشرجة في مفارق الطرقات وزوايا الأيام ولم يكن في يديك سوى زيت قنديلك المسجور ذاك الذي صببته في جوف قناديلهم فاتسع ضحك الصبايا وفاض على جنبات الضوء الزائد ومنذ ذلك الحين قبل عشرين عاما أو تزيد وأنت تسجر قنديل قلبك المنطفئ تسجره باللهب الفائض من كل القناديل وتستريح في لحظاتك المتعبة أنت والقناديل الجديدة وحشرجات الريح المقبلة قلت: هذا طريقي الجديد وخلفت خلفك ثلاثين عاما من رماد الروح وثلاثة قناديل ظامئة ورحت تبحث في طريقك هذا الطويل عن قناديل تحتاج للزيت ثم اجترحت النعاس الذي ليس فيه سوى الحلم خارطة وطريق ورحت تحرث المدى وتسجر روحك ف القناديل قنديلا قنديلا حتى اتسع الضوء على جسد النهار وصار بامكان الحرائق ان تلسع قلب الضوء وتستطيل على قامة القنديل الراعش حينها بدأت لحظة الدخان وتاريخ الرماد الطويل. فأخذت تحسس أطراف أصابعك وحشرجة الريح المترامية من حولك وجدار قنديلك البارد وتسمع لأنفاسه القناديل حشرجة تشبه الموت كانوا يغنون في الحشرجة كانوا يغنون جمعا وكانوا يديرون ما بينهم ثلة من كؤوس الكلام الفاره وزبد الكتابة وعلى جانبي مفرق الأيام المخضل بزبد الرؤى تناسلوا كالصبان المتلألئ تحت سطوع الكلمات الباذخة، وتمترسوا كالقمل الربيعي الأهوج، وراحوا يقذفون القمر والشبابيك والسلالات والبيوت وذاكرة الطريق بقذائف متهورة من شآبيب اللغة والصور المعدنية الفاتنة يقذفون وانت مكبل بحصارك الجميل وكبريائك الفاتن الهارب من أيامهم ورؤاها المزيفة يقذفون وانت ترحل في ضحكاتك المكتومة وصمتك الطويل غدا تكنس الشمس كل الظلال وأيامها والرؤى الميتة ولا يبقى في بؤبؤ الروح غير الذي كان يوما طريقا إلى غير هذا الرهان الكريه.