ليس من معنى للشعر إن كان له معنى غير عربدة الرّوح على هامش الوجود، أو صلصلة هذا الصوت المدوّي الذي يعبر صمت الكائنات والأشياء لتبوح بما ترسّب في أعماقها من أسرار وخفايا وهوامش هي حقيقة جوهرها. الشعر إذن هو هذا المفتاح السحري الذي نمسك به أو لا نمسك به لنفتح به المغاليق.. كل المغاليق والأقفال التي نتكتّم عليها أو نخفيها تحت الظلال.. هناك في الزوايا المظلمة. الشعر، هو إذن، ممارسة لنشاط سرّي ممنوع ومحرّم يقوم به صاحبه في واضحة الواقع والحياة. ولأنه فعل شديد الوضوح والواقعية فإنّه يبهر الناس ويعرّيهم أمام الشمس. وهروبا من الفضيحة والعراء اعتبروه عاملا هامشيا وشذوذا وجنونا. وهذا بالضبط ما كان يفعل محمد المهدي بن نصيب، إذ كان يمارس هامشيته وجنونه باعتبار أنه كان يمارس جوهر الشعر وجوهر الحقيقة وجوهر الحياة. وككلّ شاعر حقيقي هو نبي في قومه يحمل رسالاته ونبوءاته تائها في الصحراء حتى تصدّق به الأجيال القادمة وتؤمن به، ألم يكن المتنبي والشابي ورامبو وغيرهم أنبياء لم نصدّق نبوءاتهم يوم أعلنوا النبوءة وجاءهم الوحي من سماء الشعر؟ ------------------------------------- عن الهامشية والهامشيين * محمد المي للهامشيين تاريخ وقصة في حضارتنا وثقافتنا العربية ومنهم نشأ الأدب الحق الذي عرفنا به حياة المجتمع وطقوسه وعاداته وتقاليده.. ولم يخلُ عصر من الهامشيين.. ولعلّ أكبر مشكلة واجهناها هي أن جزءا كبيرا من هذا التاريخ قد ضاع وتلاشى لأن الهامشي كان يرفض تدوين أدبه والمجتمع لم يسْعَ الى الحفاظ على ذاكرة تنصّل منها واعتبرها غير قابلة للحفظ والتدوين. وربّما هذه أهم مشكلة واجهها الهامشيون والأدب الهامشي على مرّ العصور والدهور ورغم ذلك فإني لا أدعو الأجهزة والمؤسسات الى احتضان هذه الظواهر ففي احتضانها محاولة لوأدها وبالتالي إلغاء جزء هام من الذاكرة الجماعية. إنّ نماذج مثل محمد المهدي بن نصيب أو فيلسوف التعاسة.. الخ، هي فئات غير قابلة للتدجين والاحتواء وإن أية محاولة الى تعهدها ورعايتها هي محاولة لإنهاء مشروعها الثقافي. لقد عاش المهدي بن نصيب مراوحا بين شروط الابداع وشروط الذات المبدعة فأوفى بقدر الامكان الى هذا وتلك فكانت العودة الى منجزه الابداعي لقراءته والنظر فيه هي ضرب من ضروب التكريم لجزء من الذاكرة التي اختارت الاقامة هناك في الأقاصي وحدها ساخرة من فئة متعته السخرية والاستهزاء من الفئة الأولى.