خيوط من الذكرى تشل تفكيري... كابوس يحط فوق صدري. تضرّجت قدماي وتورّمت شفتاي. تعب جسدي وتناثرت كلماتي في صدى الرياح. ارتميت فوق الأمواج علّها تنفجر وتصبح نافورة فوّارة... المدينة يلفها ظلام، في اقصى الطريق انبعث ضوء خافت... هرعت اليه وحين وصلته كنت في مقبرة كتب على بابها ما يلي: «كنّا بعضا من رفقة يذهب الدهر كل يوم بأحدهم، كل ما تقدّمت بهم السن صغرت الدنيا وكبر الوهم بقلوبهم وشط بينهم المزار، يشط المزار وتصغر الدنيا ويذرع كل صحرائه ولا لقاء الا على طاولة بمقهى شهد أيامهم الجميلة.. كنّا بعضا من رفقة... وبالأمس أصبحنا ثلاثة... ثلاثة لا رابع لهم ولا خوف في صدورهم.. تهدّم ما بنى الاول عن جهل وتهدّم ما بنى الثاني عن اندفاع وتهدّم ما بناه الثالث عن غباء. ولكن الثلاثة صمدوا وأفرغوا سنة لا يذكرون خرائبهم كانما شربوا من شراب مسحور.. .. واليوم.. طاولة قديمة شهدت ضحكاتهم ونجواهم واثنان من الرفقة ينتظران. تحدثا عن الخرائب، تحدثا عن العشق... وانطلقا يبحثان عن ثالثهما القديم، وأخيرا عثرا على جسمه ممددا في وهدة من الارض. لم يكن ميتا. ذكر لهما في غيبوبته انه تحدث في الشعر والعشق تماما كما فعلا، تغنى الى ان ارعش خرائب ذاته فانهارت عليه.. ........................ انطفأ النور. عدت ملفوفا برداء الحزن ألوك بنهم حكاية اثنين من رفقتي.