كنّا نظنّ (وبعض الظن إثم) أن آخر ورقات الرداءة... سقطت يوم التقى الشقيقان مصر والجزائر من أجل تقرير مصيريهما... الكروي في اتجاه المونديال... يومها سقطت آخرورقة للتوت واهتز العالم العربي على وقع صور زادتنا خجلا على خجل... وأضحكت علينا بقية خلق الله ممّن يملكون كرة أفضل ونجوما أفضل و«مستوى» أفضل وتقنيات أفضل وملاعب أفضل ومدارج أفضل لكنهم لا يتركون دماءهم تختلط فوق إسفلت الهمجية بل يلملمون جراحهم الرياضية ويجلسون إلى منابر الحوار ليتخذوا القرارات التي تصبّ في خانة الإفادة ولا يطلبون في الانشقاق زيادة عكسنا نحن العرب ممّن نموت ونحيا في الفُرقة والشتات بل نكاد نشتريهما أو نخترعهما من فرط عشقنا للبحث والنبش عن كل ما هو مسيء لعلاقاتنا ولكل ما يقدر على إفساد صلة الرحم التي تربطنا رغم أنوفنا... بيننا وبينهم عقلية... وهذه العقلية هي التي حركت نار الفتنة بين مصر والجزائر قبل أشهر قليلة وكانت نائمة ولعنة الله عمّن أيقظها... وفي الوقت الذي كدنا ننسى فيه ما جرى ها هي معاول الهدم تتحرّك مجددا وتحوّل قدوم الترجي إلى القاهرة إلى صورة شبيهة بدخول التتار أو عبور الوندال واعتداء على قدسية النيل العظيم.. والأغرب من ذلك أن كل الأكف الممدودة للتآخي والمحبة اختفت فجأة لتظهر سواعد التشويه والإيقاع بين الشقيق وشقيقه وطبيعي أن يحدث ما حدث فوق مدارج جُعلت لاستقطاب الخلاّن فإذا بها تتحوّل إلى ما يشبه مصيدة للفئران... صحيح أن بعضا من جمهور الترجي يتحمّل مسؤولية كبيرة جدّا في كل ما حصل ولسنا في حاجة إلى التذكير بما جرى بين مصر والجزائر سواء في القاهرة أو أم درمان التي حاول بعضهم النفخ في بشاعتها وتحويلها إلى «أم المعارك» في وقت بتنا جميعا ندرك أن العرب أبعد خلق الله عن هذه «الأمّ»... والأغرب من كل ما حصل أن بعض الإعلاميين كما عهدناهم مصرون «إلحاحا» على تأجيج نار الفتنة وعدم الاكتفاء بما حدث من مشاهد مقرفة يندى لها جبين تونس ومصر على حد سواء... فهل بمثل هذه المواقف تنبت سنابل الرحمة والأخوة والخير والبركة بين حقول الأمة الواحدة... وهل بمثل هذا الكلام ستتمخض هذه الأمة لتلد لنا غدا أفضل وأحلى... أم أنه مكتوب علينا أن نتدثر برداء الخجل في طريق البحث عن الأمل؟ ما حدث، حدث... فلنتوقف هناك في مطار القاهرة ولنغلق خراطيم السوء وبالوعات الرداءة ولا نحوّل مباراة كرة قدم إلى حفلة شيطانية نستبيح فيها تقطيع أوصال عروبتنا وشرايين نخوتنا ثم نجلس لنشرب كأسا دهاقا على نخب هزيمتنا... على جناح الألم أتمنى من الأعماق ألا يدخل الجماعة سواء هنا أو هناك سوق الحديث عن الربح والخسارة في غلق هذا الملف الأسود... لأن الأهم أن نغلقه... فكل شيء في هذه الدنيا له ثمن، حتى... الكفن...