هنيئا للولايات المتحدةالأمريكية بهذه المقارنة التي تجترّها وتكررها منذ بروز الجزء الصغير من فضيحة أبو غريب بينها وبين نظام صدّام حسين.. هنيئا لها بعد أن اعترفت أنه لا يمكن مقارنتها الا بما تسميه هي نظاما ديكتاتوريا، وإن كانت لم تعترف صراحة وجملة وتفصيلا، بل هي منذ انتشار الفضيحة وهي تجتهد للتذكير بأن ما كان يتم في السجون العراقية أيام نظام البعث أشرس بكثير مما يتم فيها وهي تحت اشراف الجنرال أبو زيد أو سانشيز أو كيميت! هنيئا لها ولقناتها الحرة على كل الاجتهاد الصائب جدا وعلى هذا الاعتراف غير المباشر وعلى هذه المنزلة التي أنزلت نفسها إياها! ذلك أننا كنا نظن بأ لا تقارن أمريكا سيدة العالم نفسها في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان مع اي كان وعلى الأقل فمع النظام الفيدرالي السويسري أو ما شابهه اذا ما وجبت المقارنة أما أن تقارن نفسها مع النظام الذي أطاحت به لأنه ديكتاتوري وتنشر صورا وشرائط فيديو عما كان يجري في أيام صدام وما يجري أيام رامسفيلد، فذلك ما يجعلنا نهنّئها ونشد على أياديها ونتمنى لها الأفضل، فقد نطقت صدقا وقالت حقا وروّجت بالضبط لصورتها الواقعية! بل وفوق ذلك تأبى الظروف يوم أول أمس لوحده أن تجعلنا نقارن بين حادثة عرس منطقة القائم التي نحرت خلالها القوات الأمريكية عراقيا وحادثة رفح حيث نحرت القوات الاسرائيلية من الفلسطينيين الذين خرجوا في مظاهرة سلمية! جاء الأمر متطابقا وأتت الحادثة مكررة في نفس اليوم في شبه استنساخ لازدواجية عمل سال فيه الدم العربي أنهارا وسالت فيها الدموع مدرارا! هنيئا للولايات المتحدة وهنيئا لربيبتها بهذه الاعمال الانسانية الجليلة وبكل هذا الغوث للمسحوقين الذين يحتاجون ديمقراطيتها وحريتها وترويجها للحلم الامريكي الجميل الذي رأينا نوعية تفاصيله وشاهدنا درجة جماله الأخّاذ عبر تلك الصور «الرائعة» وتلك المشاهد المسلية للجندية التي تعامل الانسان مثل كلب وللجندي الشاذ الذي لا يتلذذ الا بتأمل عورات المساجين! وما خفي أعظم وما توارى في انتظار موافقة الكونغرس التي لن تأتي أمتع بلا شك! وبالمناسبة فإن الذي نعرفه عن المقارنات هو أنها تقاوم إما للاختيار أو للتمييز ويبدو ان أمريكا تميزت بحق عبر هذه الفضيحة في أمر واحد وهي انها لا تخفي ما تفعل ولا تستحي من كشفه فلا أحد بإمكانه محاسبتها ولا طرف بإمكانه معاقبتها. ولعل في محاكمة الجندي المدان والتي قال عنها رامسفيلد انها ستكون علنية ثم جاءت سرية وممنوعة عن وسائل الاعلام ما يدل على ذلك. ولعل في الحكم الصادر في شأنه والذي لم يتجاوز سنة واحدة سجنا ما يؤكد الزعم! وعلى أية حال هنيئا لنا كلنا بهذا الحكم فقد كان يمكن أن لا يتجاوز طلب أن يعتذر الجندي الشاذ عما فعل اذ من الجبابرة يكفي الاعتذار ومن الأقوياء يكفي الاعتراف حتى الخجول واللعوب والموارب منه!