في الماضي كان التدخين حكرا على الرجال، وإذا ما تجرّأ شاب على مسك سيجارة يتيمة ففي السرّ وبعد أخذ كل الاحتياطات الضرورية خوفا من العقاب والمساءلة. الآن تغير المشهد تماما حيث انتشرت ظاهرة التدخين بين الشبان والتلاميذ ليتحول غير المدخن الى استثناء يحفظ ولا يقاس عليه، فما هي الأسباب التي أدّت الى تهافت تلاميذنا على افة التدخين؟.. وكيف انهزموا بالضربة القاضية أمام أول سيجارة؟.. وما هو رأي علماء النفس في تفشي الظاهرة بين المراهقين وخاصة التلاميذ منهم؟ شهادات «مضى على أول سيجارة دخنتها أقل من ثلاثة أشهر».. هكذا بدأ التلميذ أسامة شعبان حديثه عن التدخين في حياته مؤكدا أنه يدخن من أجل الإحساس باللذة وإشباع رغبته في ممارسة عادة فرضت نفسها على الساحة التلمذية منذ فترة طويلة. ويضيف قائلا : «التدخين أصبح ضروريا في حياتنا، فالجميع يدخنون ومن النادر أن تعثر على تلميذ لم يمسك يوما ما سيجارة في يده على الأقل من باب التجربة». ويعترف صديقه رمزي الوسلاتي أن أصدقاءه كانوا السبب المباشر لتعلقه بالسجائر بعد أن جرّب إحداها في المدرسة قبل بلوغه سن 13 عاما. ويؤكد هذا الشاب بكل أريحية وفخر أن التدخين قضية شخصية صرفة ولا يجب أن يتدخل فيها أي كان حتى الأولياء أنفسهم. ولا يرى التلميذ إبراهيم عبد الكريم مانعا في التدخين بشكل مستمر بهدف اضاعة الوقت ونسيان المشاكل اليومية التي تؤثر على أعصابه. وعندما سألناه عن سبب حبه للتدخين وهل باستطاعته يوما الإقلاع عنه؟ أجاب إبراهيم بوضوح : «صحيح أن التدخين مضر بالصحة حسب الأطباء وآخر البحوث العلمية لكنني لا أملك العزيمة الكافية لتجاوز هذه المحنة. وقد لاحظنا ما يشبه الاجماع بين التلاميذ فيما يخصّ مدى انتشار الظاهرة بين التلاميذ والأسباب التي قذفت بهم الى أتون التدخين. وجاء على لسان الشاب سليم الدريدي ما يدعم هذا التحليل حيث قال : «أنا شخصيا أدخن عن قناعة وأؤكد لكم أن التلاميذ يدخنون بشراهة لا توصف حتى في ظل رفض أهاليهم، فالتدخين أصبح ظاهرة كونية يمارسه أغلب الناس رغم ما ينطوي عنه من أضرار وتأثيرات صحية». ويتكرّر نفس الرأي تقريبا لدى الصديقين أمير بن سليمان وسوار فرحات. فالتدخين في نظرهما عادة مستفحلة في صفوف التلاميذ. أما الأسباب فتختلف باختلاف الظروف المحيطة بالتلميذ ذاته. فمنهم من يدخن لأن أصدقاءه أقنعوه بذلك ولم يشأ رفض طلبهم الملح، بينما دخل بعضهم التجربة بالصدفة ثم تطورت علاقتهم بالسيجارة الملعونة ليصبحوا من أبرز عشاق التدخين. رأي علم النفس كيف يحلل علماء النفس الظاهرة بكل جوانبها النفسية والاجتماعية؟ يجيب بالنيابة عنهم الدكتور لطفي البوغانمي قائلا : «التدخين لدى المراهقين ومنهم التلاميذ نوع من التماثل مع الكبار، فالمراهق لا يزال يبحث عن ذاته، ويريد أن يصبح كهلا قبل الأوان، وهذا في اعتقادي أهم سبب يدفع التلاميذ إلى دخول عالم المدخنين». ويضيف محدثنا أن المراهق أو التلميذ قد ينضوي تحت راية التدخين بحثا عن التميز خاصة إذا كان والداه من غير المدخنين. وسألنا الدكتور لطفي البوغانمي عن خصائص ومميزات شخصية التلميذ المدخن فأشار الى أن المراهق دائما ما يبحث عن نوع من الرجولة من خلال ممارسته لعادات الكبار، وهو يهدف من وراء العملية الى اثبات أنه ذكر وكهل في نفس الوقت. أما الفتاة المدخنة فهي أقرب ما يكون في طبيعتها وشخصيتها إلى شخصية الشاب أي أنها فتاة يطغى عليها الجانب الذكوري بالمقارنة مع غيرها من الفتيات غير المدخنات، كما تدخن بعض الفتيات لأن أمهاتهن يدخن، فالفتاة ترغب أحيانا في التماثل مع والدتها خاصة إذا كانت علاقتها بها حميمية ومبنية على الحرية والصدق. وختم الدكتور لطفي البوغانمي تحليله داعيا الأولياء إلى توخي المرونة عند التعامل مع أبنائهم المدخنين بعيدا عن العنف والزجر والتهديد. فالحوار وحده هو السبيل الوحيد لإقناع التلميذ بمضار التدخين.