عام واحد فقط.. بل عام وشهران انفض بعدها «المولد» واتضح الخيط الأبيض من الأسود وفي خلال هذه الفترة التي طالت لتصبح دهرا كاملا غرقت اليد التونسية إلى القاع واضطررنا في أحيان كثيرة إلى إطلاق صفارة الانذار قبل أن يجرفنا التيار ونعيش على أطلال الانجازات التي هندستها أجيال وسال من أجلها عرق مدرار. عام وشهران ليرحل زوران ونطلق تلك الا»أوف» المرادفة للراحة والاستراحة وامكانية التجاوز والاصلاح.. وقبل أن يحدث ذلك بقوة المنطق وبقوة الحجة التي كنا نسوقها كان البعض الآخر غارقا في قناعاته معتبرا ما نكتبه حربا شعواء موجهة ضده لا لمصلحته وهدفها الهدم لا البناء ومن حسن حظنا وحظ الكثيرين الذين رفعوا صوتهم عاليا ان سلطة الاشراف كانت تدرك بالضبط ما يجري خلف الجدران المغلقة وان فضّلت إلى حين التريث والالمام بالمسألة من كافة جوانبها قبل دفع الأمور إلى مسارها الصحيح. لقد كتبنا قبل أيام قليلة فقط لنحيي السيد عبد اللّه الكعبي وزير الرياضة من الأعماق ولنقول ان للرياضة في تونس عيونا ساهرة عليها ولن تترك إحساسا فائضا بالكبرياء أو بعظم المسؤولية يتغلب على المصلحة الوطنية.. وبالفعل لم يمض إلا وقت قليل حتى فرض الحل نفسه على الجميع وأظهر أن ما وراء مبادرات اللحظة الأخيرة والتصريحات الرنانة تقف حقيقة ناصعة البياض عنوانها في نسخة منقحة «زوران الحاكم بأمره» في المنتخب وهو وضع ليس طبيعيا مطلقا وكان لابد أن ينهار أمام تيار الفشل الذي عشناه في أنغولا وتواصل في قاهرة المعز.. وقد انهار فعلا. اضطر الحاكم بأمره أخيرا إلى رمي المنديل وتبين بالمكشوف ان موافقته على تقاسم المسؤولية لا تعدو غير مسرحية «تراجيكوميدية» من ربع فصل فقط لم يدم عرضها سوى أسبوعين غادر بعدها صاحبنا تونس كالعادة ليستقر في مسقط رأسه وليأتينا خبر القطيعة معه بالتراضي وليأتينا أيضا وهذه احفظوها في الذاكرة من فضلكم.. خبر مرافق يقول ان ما حتم القطيعة هو تعرضه إلى كسر بالساق يستدعي الراحة شهرا ونصف الشهر. لكم طبعا أن تقرؤوا في ثنايا هذا الخبر المرافق الذي لا يكتسي بالنسبة لنا (قطعا) أي أهمية فالخبر الأبرز هو بداية النهاية لهذا الكابوس الذي عشناه والذي نعتنا على هامشه بأشد النعوت وتهاطلت علينا بسبب دعوتنا المستمرة إلى رفعه عديد الشكاوى وحتى الوساطات. *رجل شجاع رغم الوقت المهدور والخيبتان المتلاحقتان.. رغم اقتراب المونديال فإننا سنظل نحتفظ لزوران زيفكوفيتش بخصلة ايجابية واحدة على الأقل هي اقتناعه في نهاية المطاف بأن أسلوبه وتصرفاته لن تنفع معنا فمنتخب تونس ليس منتخبا من الدرجة العاشرة وتاريخ كرة اليد في تونس لا يقل من حيث عراقته عن تاريخ اليد في يوغسلافيا السابقة.. ولأنه اقتنع وكان رجلا شجاعا بقبوله الرحيل وتركنا نتدبر أمرنا لوحدنا فإننا سنظل نتذكره بهذا الموقف على أمل أن يكون الخلف أحسن من السلف وبهذا نفتح القوس الثاني في هذا المقال. *الوضوح منذ البداية صبيحة أمس دعت جامعة اليد إلى ندوة صحفية للاعلان عن اسم المدرب الجديد للمنتخب حسن أفنديتش المشرف سابقا على حظوظ فريق قمرسباخ الألماني ومع مباركتنا لهذا التغيير فإن التأكيد يبدو ضرريا على ان الجامعة مطالبة بتدارك أخطاء المرحلة الماضية وأولها تحرير عقد واضح تتحدد فيه الحقوق والواجبات حتى لا نضطر مرة أخرى إلى معاناة نفس الظروف التي عشناها مع زوران.. مطلوب أيضا اتفاق مسبق مع أفنديتش حول شكل العمل والتحضير بالنسبة لمنتخب الأكابر إذ ليس من المعقول أن تبقى الادارة الفنية وكل من له علاقة على هامش الأحداث ليمنح المدرب الجديد صلاحيات مطلقة في التصرف. *لاعبون أم موظفون تحدثنا عن الاطار الفني الجديد ولا بأس من وضع سطر أحمر تحت العلاقة الجديدة التي أصبحت تربط عددا من لاعبي المنتخب مع منتخب بلادهم. هل تعلمون ان بعضهم لم يذهب إلى القاهرة إلا بعد أن ضرب «الباكو» ولم يبق غير ان نتوسط من أجل استقدامه كوفي عنان. هذه ملاحظة على الهامش.. لن نتعمق فيها كثيرا على أنها تبقى دافعا لمراجعة قواعد اللعبة كليا إذ على قدر العطاء يكون الجزاء ولا أحد له «مزية» على هذا الوطن الذي نحبه لأنه وطننا وكفى. *هل هي بداية الانقاذ؟ بنهاية كابوس زوران يمكن القول ان جامعة اليد قد بدأت فعلا عملية الانقاذ بعد أن وصلت الأمور (وهذه نقولها لأول مرة) إلى تخوم «الحل» أي ان هذا الهيكل الذي ظل دوما من ألمع وأبرز الهياكل الرياضية كان على أبواب أزمة عميقة تفرض صدور قرار وزاري باحالتها على «المعاش» وقتيا. ودعونا نؤكد انه لولا الاهتمام الواضح من قبل سلطة الاشراف وادراك السيد رفيق خواجة رئيس الجامعة لخطورة الوضعية لكانت جامعة اليد تدار اليوم بمجموعة أشبه ما تكون بخلية أزمة مع العلم انه في عهد الوضوح والشفافية لا وجود لهيكل خارج المساءلة ولعل ما حدث لجامعة الملاكمة يعتبر درسا قابلا للتحليل والافادة. هكذا انقذت الجامعة إذن نفسها أو ساندت نفسها على الانطلاق في عملية الانقاذ بمتابعة قريبة ممن يهمهم الأمر ولا شك ان الوقت قد حان لرصّ الصفوف ولمّ الشمل والالتفات إلى ما يجمع وليس لما يفرق والايمان بأن «الطبخات» الدسمة هي تلك التي تتلاقح داخلها الأفكار والاراء ويحصل حولها الاجماع ولعل البداية قد جاءت مشجعة فعلا بعودة الأعضاء الغاضبين إلى اجتماعات المكتب الجامعي في انتظار أن يتحمل البعض الآخر مسؤولياته إذ ليس من المعقول أن يظل عضوا شكليا وان يتخلف في 9 اجتماعات على 10 ثم يأتي ليحشر نفسه في مسائل لم يسمع عنها إلا على صفحات الجرائد!! *الحسم رجاء مع اقتناعنا بأن الظرف قد لا يكون ملائما باعتبار الوضعية الحالية التي تفرض التركيز على ترميم البيت الداخلي وتكريس كل الجهود لنجاح منتخبنا في المونديال فإننا لن نتخلى عن دعوة الجامعة إلى معالجة الملفات المعلقة ومنها ملف الاطارات الفنية المشرفة على بقية المنتخبات وحلفي اليد النسائية والتكوين القاعدي وهما ملفان يحتاجان إلى امكانات أكبر وإرادة أقوى ثم أخيرا ملف التحكيم الذي تفاقمت مشاكله ولم يعد السكوت أمامه يجدي ولعل ما عشناه في دربي العاصمة يوم الجمعة الماضي يغني عن كل تعليق.. فقد وقفنا على مهزلة حقيقية بطلها طاقم التحكيم الايطالي الذي يبدو أنه لم «يصفر» منذ الحرب العالمية الثانية. ألم يحن الوقت بعد لنفض الغبار عن هذا الملف.. ألم يحن الوقت لتعطي جامعة اليد المثال لبقية الجامعات وتكون سباقة في حلّ هذه المشكلة. السؤال مطروح مع اقتناعنا بأن الأولوية.. كل الأولوية تبقى راهنا وعلى المدى القريب للنجاح في المونديال.