احتضن مقر المعهد الفرنسي بتونس يوم الثلاثاء العرض الأول للفيلم الروائي الطويل "جسد غريب"، من تأليف وإخراج رجاء عماري، وبطولة سارة حناشي وسليم كشيوش والممثلة الفلسطينية هيام عباس. ويعالج هذا الشريط الذي يعد إنتاجا مشتركا تونسيا فرنسيا لكل من درة بوشوشة ودومينيك باسنيار، قضايا اجتماعية عديدة، أهمها التطرف الديني المنتشر في السنوات الأخيرة والهجرة غير الشرعية لشباب دول شمال إفريقيا نحو أوروبا التي ترسم صورة قاتمة لجيل عربي تائه. تنطلق أحداث الشريط الذي يخالف النظرة الشائعة حول الهجرة أو ما يعرف ب"الحرقة"، بأن يجعل الدور الرئيسي في هذه القصة لفتاة وليس لشاب، بكابوس تعيشه البطلة "سامية" التي ترتفع من قاع البحر إلى السطح تاركة وراءها صورا فوتوغرافية لماض ليس بالبعيد. سامية هي التي ستحمل في هذا الشريط الأحلام والحاجة الشديدة لقطع البحر في اتجاه الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. طرح الفيلم ما يعانيه الكثير من الشباب التونسي من بطالة وفقر وغياب للحلول، يؤدي البعض إلى التشدد الديني أو إلى الإبحار خلسة لتبتلع المياه الكثير ممن يركبون زوارق الموت. سامية لم تترك بلدها هربا من الظروف الاجتماعية الصعبة فقط، ولكنها فرت من بطش أخيها المتشدد الذي وشت به بعد أن كان يعذبها. خبر خروجه من السجن بعد ما يسمى ب "الربيع العربي" زاد في جزعها ودفع بها لمغادرة البلد. مخرجة هذا العمل السينمائي استلهمت في انطلاقة الفيلم مكونات درامية، من قصص الهجرة غير الشرعية كما تناقلتها الروايات وشاشات التلفزيون لتنتهي بمشهد البطلة التي نجت من أهوال البحر وهي تستعد لرحلتها القادمة. تصل سامية الى باريس، لتنضم الى آلاف المهاجرين غير الشرعيين في العاصمة الفرنسية ثم تطلب مساعدة شاب من قريتها التونسية، يقيم هو الآخر بصفة غير قانونية ليأخذها الى سكنه الذي يتشاركه مع عرب آخرين. تتعرف سامية الى "ليلى" سيدة شرقية فقدت زوجها الفرنسي وكانت تبحث عن مساعدة في إدارة المنزل الذي تعيش فيه. وتجسد الممثلة الفلسطينية هيام عباس دور "ليلى"، المرأة الناضجة التي تعيش مع "سامية" أزمات لطالما أبعدها عنها زواجها من فرنسي ثري. البطلتان تنقلان هواجس عدد من النساء الشرقيات، فليلى مثلا، تبرأ منها أهلها بعد زواجها من رجل لا ينتمي لدينها، وسامية يحاصرها ماضيها حتى في عاصمة الأنوار بسبب تواجد رفاق أخيها في كل مكان. ولئن اختلفت بطلتا الشريط في السن فإن التهميش الذي تعيشانه في مجتمعات تعاني من العنف، جمع بينهما. مشاهد الهجرة عبر البحر تتواتر في الشريط، فهذه صورة جواز سفر تونسي ملقى في قاع البحر وهذا مشهد تظهر فيه البطلة الشابة وهي ترفس برجلها شابا كان يعيق وصولها الى السطح... هي مشاهد تعكس عمق المأساة التي يعيشها المهاجر، وتزيد من دلالتها الحركة البطيئة للكاميرا. المناخ العام للشريط الذي يدوم 92 دقيقة، على عتمته، لا يغيب العلاقات العاطفية التي تنشأ بين الشخصيات الرئيسية للفيلم من خلال انجذاب ليلى للشاب التونسي أصيل قرية "سامية". فشغفها به جاء كمحاولة لتستعيد شبابها في الوقت الذي قدم البطل الشاب صورة نمطية تعكس نظرة الرجل الشرقي للعاطفة والجنس، وهي نظرة استهلاك لا تتناسب مع التغيرات الاجتماعية العصرية. الجانب العاطفي لسامية بدا غامضا ومتغيرا ليترجم الحالة النفسية المهتزة التي تعيشها. فسامية لا تزال تحمل ندوبا وآثارا خلفها تعذيب أخيها لجسدها كلما خالفت سلطته وتفسيراته المتشددة للدين. جدير بالتذكير أن شريط "جسد غريب" تم تقديم عرضه العالمي الأول خلال مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، كما شارك في مهرجان "سينمانيا" في كندا ومهرجان بوسان السينمائي الدولي بكوريا الجنوبية وفي مهرجان تشيناي الدولي بالهند (15-22 ديسمبر 2016). وكان حاضرا أيضا في الدورة 13 لمهرجان دبي السينمائي وفي الدورة 47 لمهرجان برلين الدولي (من 9 إلى 19 فيفري 2017).