أسلوب "الفدائية الإسماعيلية" القديم، هو استراتيجية القاعدة الحديثة التي أعلنها مؤخراً وريث التنظيم عن أبيه، حمزة بن لادن، في نسخة مطابقة للأصل عن جماعة "الحشاشين" النزارية ذات الأصول الشيعية الإسماعيلية. هذا ما يستخلص من رسالته الأخيرة التي وصف فيها الانتحاريين بالفدائيين. "وصايا للفدائيين بالغرب" كان عنوان التسجيل الصوتي الجديد الذي بُثَّ عبر مؤسسة السحاب الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة لحمزة نجل أسامة بن لادن ، وفيه عدل عن وصف منفذي العمليات الانتحارية ب "الاستشهاديين" أو الانغماسين" إلى "الفدائيين". التوقف عند مفردة "الفدائية" هنا ليس فقط لكونها غريبة عن قاموس الحركات "الجهادية" الحديثة ولفظا وافدا عليها، وإنما الأهم ما يبرز عن ذلك من سياقات ودلالات تاريخية تعود بنا إلى "فدائية" حركة الحشاشين التي نشأت في إيران وامتد وجودها إلى الشام حيث استولى الحشاشون على سوريا بعد اغتيال أمير حلب سنة 1105م، وامتلكوا قلاع بانياس ومصياف والقدموس والكهف والخوابي والسلمية. الحشاشون والفدائيون الانتحاريون فقد أعد الحشاشون طائفة الفدائيين الانتحاريين على مستوى عالٍ من الاحترافية، والقدرة على التنكر والاندماج في صفوف الخصم، إلى حين التمكن من الوصول لأماكن استراتيجية تساعدهم على تنفيذ مهامهم، واعتماد استراتيجيات مبتكرة للقتل، استطاعوا بها الفتك بخصومهم الدينيين والسياسيين طوال 3 قرون. خرج شريط القاعدة الذي لم يتجاوز ال 10 دقائق، بوصيته لمن "ينوي القيام بعملية فدائية"، وفي صورة مطابقة ليست فقط بالاسم لفدائية الحشاشين، وإنما كذلك من حيث آلية العمل والتنفيذ التي اتخذت من الباطنية غطاء وستارا لها. الكتمان والباطنية وجاء على لسان حمزة بن لادن في الشريط المذكور قوله: "عليكم بالحلم والأناة والكتمان والاتقان بالعمل والحيطة والحذر وإعداد العدة للإثخان (...) أحسن اختيار الهدف وتفنن باقتناء سلاحك، ولا يشترط أن يكون مما يمتلكه العسكر فإن اقتنيت سلاحاً رشاشاً فبها ونعمة.. وإلا فالخيارات كثيرة وابتدأ من حيث سبقك الفدائيين". وأضاف: "إذا وقع اختيارك على هدفك فاستطلعه جيدا وأجمع عنه أكبر قدر من المعلومات واتخذ غطاء أمنياً مناسباً ولا تجعل ترددك على المكان مريبا حتى تبصر نقاط قوة عدوك وضعفه وتعرف الأماكن كلها كمعرفة أهله.. ترفق بنفسك وخذ من الراحة قسطا كافية قبل العملية.. وأحسن استخدام عنصر المفاجأة". وتابع: "كم من عملية فردية فاقت غزوات ربما تتوق نفسك للهجرة وربما تشتاق للتضحية في ساحات النزال، ولكن اعلم أن فتكك باليهود والصليبيين حيث أنت أنكى وأشد وهو من مئات القذائف على عملائهم أحد.. فالزم غرزك واشف صدرك بقتالهم والتنكيل بهم". كما طالب حمزة فدائييه بالتصريح عبر وسائل الإعلام برسالتهم التي يرغبون في توجيهها من خلال تنفيذ العملية، قائلاً: "فلابد أن يعلم الناس هدفك من عمليتك". إلى ذلك، افتتح إصدار "السحاب" التسجيل الصوتي لحمزة بن لادن بنماذج مختلفة من (فدائييه الحشاشين) جاء من بينهم رمزي يوسف مهندس هجوم 1993 على مركز التجارة العالمي في الولاياتالمتحدة، ومحمد بويري الهولندي من أصول مغربية مطلق النار على المخرج الهولندي ثيو فان غوخ في 2004، ومايكل اديبولاجو النيجيري من أصول بريطانية الذي وجهت له قتل الجندي البريطاني لي ريغبي في وولتش جنوب شرقي العاصمة لندن 2013، إضافةً إلى مولود مارت ألتن طاش ضابط أمن في السلك العسكري التركي، منفذ عملية الاغتيال للسفير الروسي لدى تركيا أندريه كارلوف في العاصمة التركية أنقرة 2016. داعش و"لنهديهم سبلنا" وفي تزامن لافت، خرج كذلك تنظيم داعش مساء الأربعاء بإصدار جديد عن ولاية نينوى بعنوان "لنهديهم سبلنا"، امتد لما يقارب الساعة ظهر فيه عدد من مقاتليه الأجانب لحث من سمّوهم ب" الذئاب المنفردة " على تنفيذ عمليات انتحارية في الولاياتالمتحدة والدول الغربية. هذا وإن اختلف الأشقاء "داعش" و"القاعدة" على وصف انتحارييهما، ما بين "الذئاب المنفردة" من جهة، و"الفدائيين" من جهة أخرى، تظل عقيدة الباطنية لسياسة الحشاشين هي نقطة الالتقاء فيما بينهما. ترسيم الحدود المكانية بين "القاعدة" و"داعش" ولعل ما يجدر التوقف عنده في إصداري "السحاب" و"ولاية نينوى"، هو ما قدمه كلا التنظيمين من اعتراف ضمني بالحدود الجغرافية التي ظل متنازعا عليها طوال أكثر من 6 سنوات من عمر الأزمة السورية، والتي تعد إحدى المعطيات التي فرضتها الضربات الجوية المكثفة للتحالف الدولي على مواقع التنظيمين. وتجلى هذا الفصل في غياب شأن الموصل عن خطاب حمزة بن لادن المسجل، والذي اقتصر في رسالته على "فدائيي القاعدة" فيما وصفه بقضية "الشام": "قضية الشام قضية أمتنا الإسلامية وأهلنا يتعرضون لإبادة جماعية وكل من شارك في القصف أو دعم بشار الأسد وحلفائه لا ينجو من العقاب. سماؤنا مستباحة لطائراتكم تصب حممها على أطفالنا صبا وأموالنا كل يوم تغتصب هذه الرسائل لابد أن تصل مع عملياتنا". في المقابل، اكتفى إصدار "داعش" بتناول الشأن العراقي دون ذكر سوريا التي أعلن البغدادي في 2014 عن تمدد خلافته إليها. ما يخوضه اليوم تنظيم "داعش" والقاعدة" من معركة وجودية حتم عليهما ترسيم الحدود المشتركة ما بين العراقوسوريا، معيداً ذلك الحدود المكانية لكلا التنظيمين كما وسبق أن أعلن عنها الظواهري 2015 في رسالته إلى البغدادي عقب إعلانه الخلافة قائلا له: "أكفأ ترتيب في معركة الشام والعراق، أن تقتصر دولة العراق مكانياً على العراق، وجبهة النصرة على الشام، ولم أتبع سايكس بيكو كما قال العدناني، فإني لم أقل لا يقاتل العراقي إلا في العراق، والشامي إلا في الشام، ولكنى قررت أن من يقاتل في العراق من أي جنس يكون تحت إمرة دولة العراق الإسلامية، ومن يقاتل في الشام من أي وطن يكون تحت إمرة جبهة النصرة". وأضاف: "وأنتم تعديتم على حقوق عديدة، تعديتم على أميركم بأن أنشأتم دولة لم يسمع عنها إلا من الإعلام. ولما أرسل يستفسر منكم عن سبب ذلك لم تجيبوه حتى اليوم".