بحلول فصل الشواطئ والحرارة، تتزايد وتيرة استخدام وسائل النقل سواء باتجاه أماكن الاصطياف. والبحر أو أثناء أوقات الذروة للعودة إلى المنزل بعد عناءالعمل، وقضاء الشؤون المستعجلة. وتتزامن هذه الفترة عادة مع تعمد الكثير من الشبان الاضرار بالملك العام، والإتيان بممارسات أقرب الى التهور منها إلى السلوكيات العادية المتحضرة، وتتمثل هذه الممارسات المخالفة للقوانين في تكسير التجهيزات، واستعمال أجهزة الانذار في القطارات، دون موجب، وتعطيل الغلق الأوتوماتيكي للأبواب، ورمي الحجارة اضافة الى حالات السرقة والنشل والعنف اللفظي والبدني في وسائل النقل العمومي بمختلف أصنافها. **حكايات من الواقع وبعيدا عن التعميم الذي قد يهضم حق الشبان والمراهقين أصحاب السلوكيات الراقية والحضارية، والذين تلقوا تربية مدروسة، وذات حس مدني وجب التساؤل عن الأسباب النفسية، والاجتماعية التي تقف وراءالظاهرة، والأسلوب الأمثل لتطويقها ومعالجتها بصفة جذرية. حكاية مستعملي النقل العمومي مع الشبان المتهورين ذات فصول متعددة، وتفاصيل غريبة وطريفة في آن واحد، فيكفي ركوب قطار الضواحي أو المترو الخفيف في مختلف الأوقات وخاصة عندما ترتفع حركة الأشخاص في العشايا والمساءات الصيفية للتأكد من مدى خطورة ما يأتيه بعض المراهقين والشبان فهم لا يحترمون الركاب، ويتصرفون كأنهم بمفردهم في القطار أو الحافلة، ويعمدون الى الألفاظ النابية للرد على من يحاول التخفيف من حدة توترهم، وإيقافهم عند حدهم. وأكد لنا أكثر من راكب أن الشبان أصبحوا يتنقلون في مجموعات. وهنا تكمن الخطورة حيث يتحصّن هؤلاء بعقلية المجموعة، ويقومون بممارسات ما كان يجرؤ أحدهم على اتيانها لو كان بمفرده. ويروي السيد مروان بن أحمد أنه حاول ذات مرة اقناع مجموعة من الشبان بالعدول عن فتح الباب وتسلق النافذة والقطار فكان جزاؤه الشتم ولولا تدخل بعض الركاب لأشبعوه ضربا ولكما. ولاحظ أحدهم أن أغلب الممارسات المتهورة تتمثل في رمي الحجارة باتجاه القطار مما يتسبب في احداث أضرار بدنية وإن كانت طفيفة لعدد كبير من الركاب اضافة الى الفتح الأوتوماتيكي للأبواب وتعطيل حركة القطار وشتم الركاب، وتكسير النوافذ والكراسي! **عقليات وممارسات ويحاول السيد أيمن بن مصطفى تفسير الظاهرة قائلا: «أنا أب وأعرف جيدا عقلية المراهقين فهؤلاء يفجرون الشحنة الكامنة بداخلهم للقيام بممارسات متهورة معتقدين أن من حقهم اللهو واللعب دون رقيب أو رادع وهذا سر تكاثر حالات الاعتداء على وسائل النقل العمومي». وإذا كان هذا رأي المواطن فما هو رأي علم النفس وكيف يمكن تقرير «الأعمال الشاذة» التي يقوم عدد محدود من الشبان والمراهقين؟ هنا يقول الدكتور لطفي البوغانمي بكل وضوح: «الممارسات الشبابية المتهورة يجب تصنيفها ضمن ما يسمى في لغة علم النفس ب»Iperactivitésس أي النشاط الزائد عن العادي. فالشاب أو المراهق يتميز عن الكهل بكثرة، الحركة، والنشاط والاتيان بأعمال تقترب من التهور في أغلب الأحيان، وأعتقد أن هذه الممارسات أو الأنشطة المخالفة للأعراف والقوانين والمضرة بالملك العام ليست سوى شحنات كامنة في شخصية الشاب أو أنها كانت موجهة في أطر غير مفيدة. لذا يلاحظ أي شخص أن الشاب يرغب دائما في تفريغ طاقته لكنه لا يحسن القيام بذلك فيقع في المحظور، وينتج عن هذه الحالة السلبية اضرار بالملك العام». ويضيف الدكتور لطفي البوغانمي قائلا: «تتزايد حدّة الظاهرة عندما يكون الشاب أو المراهق برفقة شبان آخرين فيتحول «الأنا الشخصي» ««أنا جماعي» فيحسّ بأنه قوي، ومتحرر من الضغوطات فيتجرّأ على اتيان ممارسات متحصنا بالمجموعة التي ينتمي إليها». **دور الأسرة ويؤكد الأستاذ هشام تريمش (اختصاص نفسي) على الدور المركزي الذي يلعبه الوسط الاجتماعي في تحديد سلوكيات الفرد. كما أن نفسية الشاب تساهم في توجيه الممارسات والسلوكيات سلبا وايجابيا، وبحكم التحولات الاجتماعية والنفسية التي نعيشها الآن، وتأثير عقلية المجموعات على سلوك الفرد والتأثير الكبير لوسائل الاعلام على الأشخاص خاصة القنوات التلفزية التي تبثّ الكثير من اللقطات العنيفة يمكن فهم سرّ الممارسات التي يأتيها بعض الشبان والمراهقين ونصنفها نحن في خانة الأعمال المتهورة والخطيرة. لكن ما هو الحل وكيف يمكن التخفيف من حدة هذه الممارسات إن لم يكن ممكنا القضاء عليها نهائيا؟.. يجيب الأستاذ هشام تريمش مشيرا الى أهمية التأطير، داخل الأحياء والمؤسسات التربوية، ومستبعدا الردع من قاموس التعامل مع الشبان والمراهقين فهو يؤدي الى نتائج عكسية لا تحمد عقباها. ويرى محدثنا أن الحوار هو السبيل الوحيد لتفهم عقلية الشاب وابعاده عن الخطإ مع وجوب تشريكه في أنشطة اجتماعية ذات جدوى ومتابعته من طرف العائلة التي بدأت مع الأسف تتخلى شيئا فشيئا عن دورها تاركة المجال للشارع بقوانينه التي لا ترحم. ورغم اعترافه بأهمية الردع لكن في آخر المطاف يشدد الدكتور لطفي البوغانمي على دور التوعية، والتوجيه للتحكم في سلوكيات الشبان. ويقول محدثنا: «العائلة هي الأساس ثم يأتي دور النسيج الجمعياتي لمعاضدة دور الأب والأم وأنا شخصيا أحرص يوميا على مرافقة إبني الى المكان الذي يمارس فيه هوايته ثم أعود إليه لاصطحابه الى المنزل وهذا ما أنصح به الأولياء في العموم». ويتضح من خلال الشهادات والتحاليل النفسية والاجتماعية أن الممارسات المتهورة مرتبطة أساسا بعقلية المراهق والشاب ويكمن الحل في الاقتراب أكثر من المعني بالأمر ومحاولة تطويق ممارساته بلغة الحوار بدلا من الردع الذي يظلّ الحلّ الأخير. * الهادي الجويني ----------------------------------------- اعتداءات متعددة وجهود للصيانة تبذل الشركات المتخصصة في النقل العمومي مجهودات جبارة للحدّ من ظاهرة الاعتداء على القطارات والحافلات، وذكر السيد الزواري العودي من الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية أن الشركة تقوم بمجهود كبير لصيانة أسطول الأحواز الجنوبية للعاصمة، وذلك بهدف تأمين استمرار تشغيله في كنف السلامة التامة، ومستوى مقبول من حيث جودة الخدمات إلى حين انجاز مشروع الكهربة الذي سيدخل نقلة نوعية على خدمات هذا الخط. ولكن رغم جهود الصيانة، والتي يرصد لها سنويا 3 ملايين دينار، تتعرض القطارات إلى عدة أشكال من الاعتداءات تعطل سيرها العادي، وتشكل إخلالا بقوانين السكك الحديدية. ومن هذه الاعتداءات الإضرار بالتجهيزات، واستعمال أجهزة الانذار بدون موجب، وتعطيل الغلق الأوتوماتيكي للأبواب، ورمي الحجارة، وأعمال السرقة، والنشل، وهنا وجب التذكير كما يقول المسؤول بالشركة بالفصول 52 و53 و54 من القانون عدد 74 لسنة 1998 المؤرخ في 19 أوت 1998 المتعلق بالسكك الحديدية والذي يمنع منعا باتا مثل هذه الاعتداءات ويعرّض مرتكبيها الى عقوبات صارمة تصل الى حدّ السجن.