اذا كان «ابن العلقمي» بائع بغداد للمغول قد رحل الى مزبلة التاريخ فان نسله السيء لم ينقطع... وبين الفينة والأخرى يطلع «علقميون» جدد تسري خيانات الماضي في عروقهم ويبدون استعدادا فطريا لتسليم ظهورهم الى الغزاة والمحتلين... وقد كان المدعو «احمد الجلبي» ورهط ممن باعوا ظهورهم لدبابات الاحتلال من بين نسل سيء الذكر الوزير بن العلقمي... وللاسف الشديد فان هذا النسل ما فتئ يفرّخ المزيد من «العلقميين» و»الجلبيين» الذين يبدون استعدادا كاملا لبيع كل شيء: الضمير والوطن والانتماء... وفي المقابل فان «الأسياد المحتلين» عادة ما يغدقون عليهم من عملات قذرة ومن متاع ومصالح ملوثة بدماء الشعوب ماداموا قبلوا التآمر على الوطن واختاروا الخسة بدل الشرف... وانحازوا للاعداء بدل الانحياز للوطن... وآثروا موالاة نفوسهم المريضة على موالاة الوطن... هذا الرهط من الناس عرفناهم في تونس في فترة الاحتلال الفرنسي مثلا كما عرفهم الاشقاء في الجزائر ممثلين في «الحركيين» الذين يعيشون في آلاف من احياء الضواحي الباريسية مذمومين مدحورين... لكننا كنا نعتقد ان هذا الرهط من الناس قد انتهى في تونس بعد ان سطعت شمس الحق وبعد ان ارتفعت رايات الحرية والاستقلال عالية خفاقة في سماء الوطن... انهم سوف يراجعون اخطاءهم ليعلنوا توبتهم وعودتهم الى صف الوطن والشعب... لكن البعض من هؤلاء يصرون بعد كل هذا على الاعلان عن تواجدهم وعلى اظهار قدرات عجيبة على البقاء والتأقلم مع المستجدات ومع المحيط الذي يعيشون فيه... شأنهم شأن الحشرات حين تكتسب نوعا من «الحصانة» ضد المبيدات... واذا كان «علقميو» الامس قد انحازوا للمحتل وعملوا ما في وسعهم وزيادة لتسلمه مفاتيح المدن والدول العربية والاسلامية... فان «جلبيي» اليوم يفعلون المستحيل لاغواء المحتل باكتساحنا ولاغرائه بوضعنا تحت نعال الجند وتحت جنازير الدبابات... فماذا يعني ان يختلق بعض هؤلاء وهم والحمد لله قلة قليلة جدا الاراجيف والأكاذيب لتشويه صورة تونس؟ وكيف يصل بهم غيّهم حد استعداء الاجنبي على بلادهم وحدّ تهديد خبز الناس؟ وكيف يجاهرون بالاستقواء بالاجنبي على بلدهم. وبأي حق تسول لهم انفسهم الاساءة لمصالح بلد وشعب باسم ممارسة الحرية والديمقراطية او الدعوة اليهما؟ اذا كنا نقول بأن ارساء الحرية والديمقراطية في اي بلد هو عمل دؤوب وجهد يومي متواصل وتراكمات تحدث على مرّ الزمن فماذا نقول عمّن يمنح لنفسه حق الاساءة والتشويه والحال انه لا يمثل شيئا يذكر في ميزان الشعب والوطن وفي ميزان الديمقراطية؟ وبعد كل ما حدث في العراق بسبب ابناء عمومتهم «الجلبيين» ألم يكلف هؤلاء انفسهم عناء السؤال عن حقيقة الاهداف الاستعمارية الملفوفة في قيم مقدسة من طراز نشر الحرية والديمقراطية؟ ثم ألم يسألوا أنفسهم عن مصير الكثير من «الجلبيين» بعد ان ركبوا دبابات الاحتلال ومنحوا مفاتيح بغداد والعراق ل»سماسرة» الديمقراطية؟ وكم يجب ان يقتل من العراقيين وتدمر من بيوتهم وتنهب من خيراتهم ليدرك هؤلاء بأن الاحتلال هو الاحتلال في بطشه وجشعه وان غيّر اللباس بين تعلاّت الأمس (نشر قيم الرجل الابيض) وتعلات اليوم (نشر قيم الحرية والديمقراطية)؟ وكم يجب ان نصرخ ليدركوا بأن خيانة الوطن خطيئة لا تغتفر وبأن حرية الوطن وسيادته خط احمر لا يجوز الاقتراب منه... وبأن كل مقترب منه لن يكون حظّه أفضل من حظ الافعى حين تداس وتعالج بالنعال... كلمات نتمنى أن تنفد الى عقول ووجدان احفاد ابن العلقمي وتلاميذ احمد الجلبي، ان كانوا يملكون عقولا يفكرون بها ووجدانا يحسون به لذة ومتعة الانتماء الى هذا الوطن العزيز الذي دفع الآلاف ضريبة الدم من أجل تحريره... وهو ما يفترض منا جميعا صون هذه الامانة المقدسة، وننسى محاولة بيعها في سوق الخسّة والنذالة.