1258 بغداد تسقط في يد المغول القدامى. 2003 بغداد تسقط في يد المغول الجدد. قصة التاريخ حين يعيد نفسه... وقصة الخيانة حين تستدعي الخيانة. وقصة الشرف حين تغتاله يد الشر الجبانة... حين نحرت بغداد على يد المغول القدامى، لم يكن ذلك لذنب ارتكبته أو لجرم اقترفته... كل ذنبها أنها أشعت على الدنيا بالعلم وبالمعرفة... وكل جرمها أنها حملت وقتها مشعل الحضارة الإنسانية في ثرائها وتألقها... وكل ذنبها وكل جرمها أن هذا وذاك صنعا لها أعداء وحسادا ومتآمرين... من الداخل ومن الخارج... ولم يكن المتآمرون ليعدموا الحيلة والوسيلة... ولم تكن الخيانة في سبات ولا كانت عيون الخونة مغمضة... التقى الشران وامتزج الحقدان... وانبرى ابن العلقمي سمسار السماسرة يبيع الوطن في سوق الخساسة ويرهن الأمة تحت سنابك خيول المغول... هولاكو ذلك الزمن القديم كان همجيا حاقدا، تغيضه حضارة بغداد ورقي أهلها، ولكنه حمل هو الآخر (ويا للمصادفة) خطة لاعادة تشكيل المنطقة... وبالفعل فقد اتخذ من بغداد منطلقا ليدك عروش ممالك بلاد الشام... وواصل رحلة التدمير الشرهة إلى أن تكسرت نعرته وشوكته على حصون القاهرة... وحين نحرت بغداد على يد المغول الجدد لم يكن ذلك أيضا لذنب ارتكبته ولا لجرم اقترفته... ذنبها أنها بنت قاعدة علمية ناهضة وبنت تجربة بدأت تشع لتتخطى حواجز ما كان المغول الجدد يسمحون بتخطيها... أما جرمها فهو تسربلها بقيم الشهامة العربية وحملها قيم الإرادة العربية الحرة ومعاني التحرر من غطرسة العصابات الصهيونية... وهذا ذنب وذاك جرم كما في السابق مجلبة للحساد والحاقدين والمناصرين ومجلبة للمخاطر والمهالك... ومرة أخرى حدث اللقاء الغريب والمريب... واستدعت الخيانة الخيانة وتسلم مفاتيح بغداد للغزاة الجدد... وليلتحم حبر مخطوطات ومدونات مكتبات بغداد وقد غصت بها مياه دجلة والفرات» بدخان النفائس والدرر والمخطوطات المنبعث من مكتبة بغداد ومن كل حصون العلم والمعرفة وقد كانت تغص بموروث حضاري إنساني فريد... ومن جديد تتكرر اسطوانة «اعادة التشكيل» وتتدحرج كرة النار في اتجاه عواصم عربية أخرى وما زال المغول الجدد يحدثوننا عن محاسن الحرية وعن منافع الديمقراطية... وما زال أبناء العلقمي يرتعون ويتفننون في نحر العراق وفي اغتصاب حاضر العراق ومستقبله... وما زال العرب يقلّبون المسألة... ويتبارون في لعن «الدكتاتورية»... كما لو كانت جنازير دبابات الاحتلال لا تدوس رقاب شعب عربي وروح ووجدان أمة.... سنة 2003 سنة كان ممكنا للقرون أن تكون كبيسة... وليتك لم تأت لتزيدينا فجيعة العراق على فجيعة فلسطين.