في الوقت الذي يعيش فيه الوطن العربي أزمة لم يسبق له ان شهدها منذ عقود انقضت... وفي الوقت الذي تحاول فيه الأمة النهوض من وسط المشهد القاتم في العراق وفلسطين للملمة جراحها لا يفتأ بعض «الجلبيين» يطلون علينا بين الفينة والاخرى ليزيدوا في تعميق جراح الامة وفي وهنها... بل ان هؤلاء لم يخجلوا حتى من دموع الثكالى ودماء الابرياء التي تنزف يوميا في العراق وفلسطين لكي يظهروا في المقابل ولاءهم للاجنبي وامتنانهم له... آخر هؤلاء «الجلبيين» وبالتأكيد ليس أولهم (ولن يكون آخرهم أيضا) «قائد» فصيل سوداني يطلق عليه «جيش تحرير السودان»... هذا «القائد» ما فتئ في كل مرة يطل فيها علينا يستجدي الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير للتدخل بصفة عاجلة في دارفور... بل أنه «أصرّ إلحاحا» على السيدين بوش وبلير لكي يتدخلا عسكريا في اقليم دارفور لان الوضع هناك اصبح في نظره لا يطاق ولا يحتمل التأجيل متحدثا عما وصفه ب»الابادة الجماعية» في هذا الاقليم وعن تحليق مكثف للطائرات التي قال انها تزرع الارهاب وتتسبب في مقتل ملايين المدنيين، على حد تعبيره... ولعل من المفارقات ان تتزامن تصريحات جلبي السودان هذه مع جولة قام بها مسؤول امريكي رفيع المستوى الى دارفور جاب فيها الاقليم طولا وعرضا وأكد أنه لم يعثر على ما يدل عن ما يمكن تسميته ب»الابادة الجماعية»... وقد أكّد هذا الامر حتى كبار المسؤولين الامميين والبريطانيين الذين اجمعوا على أن هناك تحسنا في الاوضاع بدارفور. كما أنه من المفارقات أيضا أننا نسمع هذا «القائد» يتحدث في نفس الوقت بصفة «الرجل الغيور» على بلده و»الوطني» الذي هاجسه الوحيد حماية بلده والنهوض به والتضحية في سبيله... فعن أية وطنية يتحدث هذا الرجل إذن وأية وطنية تخول له ان يستجدي الاجنبي لارباك بلده والانخراط في حملة التحريض على ضربه... أليس في ذلك دليل على زيف ادعاء «الوطنية» التي يتحدث عنها بل وعلى اغتيالها أصلا من قبله... وأية مصداقية لما يطرحه هذا الأخير من رؤى ومواقف على شعبه الذي يدعي الدفاع عنه وعن حقوقه ومصالحه في الوقت الذي توجد فيه عدّة وقائع تفضحه وتؤكد ارتهانه في خطابه السياسي وفي تمويله وايوائه للاجنبي... ثم هل أن هذا الأخير يرغب حقا في تنظيف بلده من الادران التي تعتريه كما يدعى أم أن حاميها حراميها كمال يقال... الواضح ان ثمة وقائع عدّة تدحض مثل هذه الادّعاءات وتعرّي بالتالي أقواله وأقوال أمثاله من «الجلبيين» المنخرطين في هذه «المعزوفة». والا كيف يمكننا ان نفسر تعامي جلبي السودان وامثاله عن ضرورة التكاتف وتوحد الغايات والوسائل للنهوض بوطنهم واصرارهم في المقابل على «أجندا» التغيير القادم على البوارج والدبابات من وراء البحار «متسترين» في ذلك بشعارات براقة وأقنعة من قبيل الوطنية والديمقراطية وأكذوبة «التحرير» التي يروجونها تحت «ضيم الاجنبي»... إنها حقا تساؤلات تفرض نفسها بالحاح وتستدعي أجوبة شافية خصوصا في هذا الوضع المرتبك الذي يعيشه العرب من المحيط الى الخليج والذي بات على الارجح مسرحا لظاهرة «تفريخ الجلبيين».