بكثير من الخبث السياسي، وأكثر منه بقليل من الوقاحة يعكف الغرب الآن، وتحديدا الدول الامبريالية المتنفذة في المنتظم الأممي، على طي صفحة «حق العودة» بالنسبة للفلسطينيين. فقد كشف العماد ميشال عون في لقاء صحفي بث مؤخرا، ان كل الاطراف السياسية اللبنانية وقعت مفاتحتها في موضوع التوطين من قبل جهات أجنبية تعمل لصالح اسرائيل. وهو يعني ان التوطين سيكون في لبنان وفي البلدان التي بها مخيّمات لجوء للفلسطينيين. ومن هنا، تكون الامبريالية العالمية، وبالتعاضد مع الرجعية العربية داخل النظام الرسمي العربي، قد ساهمت في حل مشكل ما فتئ يؤرق الكيان الصهيوني: قضية اللاجئين وحق العودة الذي يضمنه القرار الأممي 194. والحقيقة فإن ملف حق العودة يمثل عقدة اي حل يمكن ان يكون في قضية فلسطين. بل هو الرقم الصعب في المعادلة الأصعب. اذ ان «حق العودة» هو حق غير قابل للتصرف، ناهيك انه كملف وكواقع هو نقيض الكيان الصهيوني.. فطالما هناك لاجئون فلسطينيون بأيديهم سلاح اسمه قرار حق العودة رقم 194، فإن وجود اسرائيل يبقى موضع سؤال. لهذا نرى المبادرات والمؤتمرات واللقاءات والمحاولات الاقليمية منها والدولية كلها تصبّ في خانة واحدة: وأد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. هنا نلاحظ بكل وضوح، ان الحلقة الأعسر هنا هي لبنان... فلطالما ضغطت الدوائر الاوروبية والدوائر الأمريكية، باتجاه ان يذعن لبنان الى واقع التوطين، لكن الحركة الوطنية اللبنانية والقوى المناضلة بصفة عامة، ما فتئت تجعل من هذا الطلب خطّا أحمر... لا يمكن تجاوزه.. ملف اللاجئين الفلسطينيين لا يمكن ان يسقط بالتقادم وبالتالي فإننا نرى الكيان الصهيوني وهو يتخبط في نفس هذه العقدة، والحلّ لم يأت.. هذا بالنسبة لاسرائيل، أما بالنسبة للجانب الفلسطيني فإن حق العودة شأن مقدّس بل هو السبب المبرر لوجود قضية اسمها قضية فلسطين.. المسألة في هذا الباب، ليست ذات بعد ديموغرافي او هي تهم مدى أرق وتعب شعب فلسطين المهجّر، من وضع اللجوء بل ان القضية كل القضية تكمن في تأمين الحق. والحق هنا يبدأ من عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا من ديارهم بدون وجه حق. وكل الدوائر الامبريالية والاستعمارية اضافة الى العصابات الصهيونية هي المسؤولة عن الوضع الذي آلت اليه القضية الفلسطينية والذي وصلت اليه جموع الشعب الفلسطيني المجهّر عبر المخيمات في اكثر من بلد. صحيح ان الوضع العربي اليوم وضع منهار وآيل لمزيد السقوط، بعد ان عاود الاستعمار المباشر كبرى كياناته، ولكن ما هو ثابت في أذهان الناس عموم الناس، ان الفلسطيني لم ينتظر كل هذا الزمن (أكثر من ستين عاما) ولم يتعذّب كل هذا العذاب، عذاب التهجير وعذاب الشتات، لكي يقبل بالتخلي عن أغلى قرار لا يزال يملكه بين يديه: القرار 194 والذي ينصّ على ان عودة اللاجئين حقّ وأن التعويض مرتبط عضويا بحق العودة..