حوار وإعداد فاطمة بن عبد ا& الكرّاي «بعد أيام رجعت الى تونس بعد ان شاركت كما كان مقررا في اجتماعات المكتب التنفيذي للسيزل «CISL» بمقره في «بروكسيل»... وكانت الازمة بين بن يوسف وبورقيبة على أشدها خاصة بعد ذاك الاجتماع الذي نُظّم لصالح بن يوسف في جامع الزيتونة، والذي أعاد فيه كلمته الشهيرة حول «اتفاقيات 55» بأنها خطوة الى الوراء». هكذا استهل «سي احمد بن صالح» الصفحة الموالية من الخلاف بين بورقيبة (رئيس الحزب) وبن يوسف (الأمين العام للحزب)... يواصل «سي احمد» وقد تحدث عن حرص العديد من المناضلين من بينهم هو، على رأب الصدع بين الرجلين المسؤولين الاوليْن في الحزب: «بعد ان رجعت من بروكسيل وجدت ان الشقاق حصل، لكن كانت هناك ارادة من البعض من اجل مسح هذا الشقاق فكان ان هاتفني جلولي فارس على الساعة التاسعة مساء بعد ان رجعت من بروكسيل كلّمني جلولي فارس من الديوان السياسي وكنت أقطن زمنها في حمام الانف، وقال لي: سوف يأتيك حسن بن عبد العزيز وفرجاني بلحاج عمار لتتجهوا مع بعضكم الى المنستير، تذهبون الى بورقيبة.. وسوف يفهمك الاخوان (بلحاج عمار وبن عبد العزيز) بفحوى المهمة اذ لا يمكن ان آتي على التفاصيل عبر الهاتف. شخصيا لم أستسلم الى مجريات الأمور والى واقع الحال بين الرجلين، من خلافات وشقاق... كنت على استعداد لكي أقوم بالوساطة لأكثر من مرة، وفعلا ففي موضوع الوساطة هذا، قمت بثلاث مهام من اجل المصالحة... وهذه التي أرويها الآن هي الثانية. اذن جاءني بعد نصف ساعة من مكالمة جلولي فارس، كل من الفرجاني بلحاج عمار وحسن بن عبد العزيز، وعلمت منهما ان موضوع زيارتنا الى بورقيبة الذي كان في المنستير، تتمثل في ان نقنعه بأن يعدل بل يؤخر موضوع اقالة صالح بن يوسف من الامانة العامة للحزب، على ان نذهب الى صالح بن يوسف في ما بعد، فتكون الوساطة ويُرأب الصدع... وصلنا الى المنستير منتصف الليل، وكنّا في سيارة أحدهما، دخلنا بيت بورقيبة في المنستير، وكان الوقت متأخرا كما ذكرت، فوجدناه على فراش النوم، وكان الى جانبه يجلس آخر السرير والي المنستير احمد الزّاوش... حين دخلنا ثلاثتنا أنا وحسن بن عبد العزيز والفرجاني بلحاج عمار، وبعد التسليم والتحية قال بورقيبة مخاطبا فرجاني بلحاج عمار (عن اتحاد الصناعة والتجارة): يا فرجاني، تعالى الى جانبي... وتكلم بورقيبة بنوع من الغضب عن الامانة العامة للحزب (التي يشغلها صالح بن يوسف). ... وأذكر أن ما تفوّه به بورقيبة أزعجني...خاصة بالنسبة لتلك الاجواء التي كانت سائدة...» وهنا سألت «سي احمد» عن فحوى كلام بورقيبة، الذي قاله لفرجاني بلحاج عمار فرفض الافصاح مكتفيا بالوصف وصف حالة بورقيبة وقد كان غاضبا ويتكلم بشدة... وأضاف مواصلا قصة الثلاثة مناضلين بن صالح وبن عبد العزيز وبلحاج عمار، مع بورقيبة: «فقد كانت مهمتنا لدى بورقيبة، أن نطلب منه تأجيل البلاغ الذي يقيل وفقه صالح بن يوسف من مهامه على رأس الأمانة العامة للحزب.. وقد علمت بفحوى المهمة من فرجاني بلحاج عمار وحسن بن عبد العزيز، ونحن بالسيارة، في طريقنا إلى المنستير لمقابلة بورقيبة.. واصل بورقيبة كلامه الحماسي والممزوج بالغضب، ودعا بصفة غريبة إلى الانتصار إلى موقفه وكأن القطيعة بين الديوان السياسي حصلت بعد.. وبعد أن أكمل بورقيبة كلامه، أخذت الكلمة وقلت له: يا سي الحبيب، هل يمكن أن نطلب منك شيء واحد: أن تؤجل البلاغ الذي يتضمن طرد صالح بن يوسف من الحزب، وذلك حتى نقابل صالح بن يوسف للمرة الأخيرة، ونقنعه.. فكّر قليلا (بورقيبة) وقال بالفرنسية: D‘accord .. وكان بورقيبة، وحسب ما بلغني، أنه غضب كثيرا من اجتماع بن يوسف مع المنظمات في منزله، ولكن غضبه الأكبر كان بخصوص اجتماع جامع الزيتونة، الذي جدّد فيه صالح بن يوسف موقفه الرافض للاتفاقيات، اتفاقيات الحكم الذاتي، التي جاءت نتيجة للمفاوضات التي قادها باقتدار رئيس الحكومة وقتها (1955 / 1956) الطاهر بن عمار..». ويواصل «سي أحمد» وقد علت محياه تقاسيم أسف، وكأن القصة تعود إلى البارحة: «رجعنا إلى تونس، واتفقنا على أن نتقابل على الساعة التاسعة صباحا أمام منزل صالح بن يوسف، بضاحية مونفلوري بالعاصمة، كنّا رجعنا من المنستير فجرا، وأنزلني رفيقي في هذه المهمة، في حمّام الأنف من حيث أخذاني في بداية الليل، وكان الموعد إذن في الساعات التي تلت رجوعنا من المنستير: أي على الساعة التاسعة صباحا. أتى حسن بن عبد العزيز، وغاب الفرجاني بلحاج عمّار عن هذه المهمة.. ولجنا صالون منزل صالح بن يوسف، في حدود التاسعة والنصف.. فوجدنا صالح بن يوسف، وهو يتكلم عبر الهاتف.. فبقينا واقفين ننتظر إنهاء المكالمة.. فماذا سيكون موقف صالح بن يوسف من هذه المهمة.. مهمّة التهدئة؟ هذا ما سنكتشفه معا في الحلقة القادمة، إن شاء اللّه.