سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مذكرات سياسي في «الشروق»: الأستاذ أحمد بن صالح وأسرار وخفايا تكشف لأوّل مرّة (70): كنت غاضبا من بورقيبة ومن بن يوسف: فلا أحد منهما تقدّم خطوة نحو الآخر
حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي كنت غاضبا على بورقيبة وبن يوسف، في آن واحد... فخلال الأزمة، لم يتقدم أحدهما تجاه الآخر أي خطوة... أصبحت المسألة شخصية أكثر منها خلافا على قضية... في ذاك التوقيت بالذات كتبت الافتتاحية في «صوت العمل» لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل، بعنوان «لا تنسوا أن الشعب موجود»... كانت هذه إجابة «سي أحمد» بن صالح عن سؤال «الشروق» آخر حلقة أمس، حول شعوره تجاه ما يحدث بين بورقيبة وبن يوسف، على خلفية رفض صالح بن يوسف القدوم الى صفاقس للمشاركة في مؤتمر الحزب، بعد أن أقاله بورقيبة من الأمانة العامة وعوّضه بالباهي الأدغم... وأضاف مواصلا قصة مؤتمر صفاقس بدون بن يوسف، سنة 1955 (خريفا) «عندما قال لي بن يوسف ذاك الكلام، عبر الهاتف، فهمت بعد برهة، أنه كان يظن ربّما أنّني نصبت له فخّا (حصّيلة)... لا أدري...». أطرق «سي أحمد» مفكّرا ومتذكّرا، ثمّ واصل: عندما رجعت أنا والفرجاني بلحاج عمار الى المؤتمر، قلت لهم (هيئة المؤتمر التي كلّفته) لم يرد أن يأتي... يعتبر أن الجوّ غير مناسب... وقلت انه كان غاضبا... وهنا سألت صاحب المذكرات عن ردّة فعل بلحاج عمار (اتحاد الصناعة والتجارة) فقال انه حمد ا& أنه لم يتكلّم في الهاتف. ولكن، هل كان الشقاق حاضرا في مؤتمر صفاقس؟ هل خيّمت الأزمة على أجواء المؤتمر؟ عن هذا السؤال يقول «سي أحمد»: لم ألاحظ ذلك... ربّما كان الأمر في النفوس... وأضفت سؤالا آخر: هل أحسست، خلال المؤتمر، أن هناك أجنحة؟ قال: أبدا... لا أتذكّر أن شيئا من هذا وقع... ولم أر بندا من هذا على جدول أعمال المؤتمر: موضوع الخلاف... هل تعتقد أن الخلاف كان يمكن أن يحلّ، وأن لا تصل الأمور الى ما وصلت اليه من خطورة؟ عن هذا السؤال يقول «سي أحمد» بن صالح: «أنا أعتقد أنه لو اجتمعت الجهود، وفعلنا ما فعله الهنود (من الهند)... لو ملأنا ساحة القصبة بالناس، قلنا لا نتحرّك من هنا الا إذا اتفق بورقيبة وبن يوسف، كان يمكن ان نصل الى حلّ... أقول هذا من باب المثال... أنا أعتقد أنه كان هناك استعداد للتسوية والتفاهم... والحقيقة، ما أسميه بالأمور «الذاتوية» (من الذاتية) كانت دوما موجودة... فالتّكتّل الى جانب أو من أجل بن يوسف كان موجودا والأمر نفسه مع بورقيبة... ليس هناك طرف من الاثنين يريد الانسحاب... لقد أعطتني هذه القصة دروسا، سوف أرويها بتأثيراتها، لاحقا، لمّا كنت في المغرب الأقصى في زيارة وأنا كاتب عام للاتحاد، ووقعت إقالتي من مهامي... لم يرد «سي أحمد» أن يغوص في هذا الملف، الذي اتخذه مثالا، وواصل الحديث عن مؤتمر صفاقس للحزب الحرّ الدستوري خريف 1955، بعد أن سألته: كاتحاد عام تونسي للشغل، تقدّمون الى المؤتمر برنامجا اقتصاديا متكاملا، برنامجا مدروسا وفيه بحث من خبراء ومختصين، هل كان الخلاف (بين بن يوسف وبورقيبة) في صلب اهتمامكم، أم كان يهمّكم مصادقة مؤتمر الحزب على برنامج أنجزه الاتحاد؟ في جوابه على هذا السؤال الاستفساري قال الكاتب العام للاتحاد العام التونسي للشغل: «الذي كان يهمّنا كاتحاد هو بسط الخطوط العريضة للبرنامج الاقتصادي للاتحاد، الذي ذكرناه آنفا... ولكنّي أذكر، أنه والمؤتمر في حالة انعقاد، فرضت نقطة للنقاش، حول أن فرنسا (الاستعمارية) لا تريد أن تسلّم وزارتي الدفاع والداخلية الى أي حكومة استقلال (داخلي)، أذكر أنّني أخذت الكلمة، في لجنة الشؤون الخارجية، وهدّأت الأمور، لأن فرنسا، كانت تنوي ما تنوي (من استنقاص سيادة ناجمة عن الاستقلال)... وقلت انه لا يمكن أن نقلب العملية من أجل هذا البند... وأذكر كذلك أنني قلت، ما معناه، ان القضية التونسية وكل قضايا التحرر من الاستعمار هي الآن في المحافل الدولية (مثل الأممالمتحدة) وأن الخارجية لم تعد سفارات وعلاقات ثنائية عبر هذه السفارات، بل علاقات مع محافل دولية... وقلت أمام المؤتمرين ان الخارجية أضحت الآن في الأممالمتحدة... وكان كلامي كلّه، يدخل في باب تهدئة الأجواء بيننا، خاصة أن مؤتمر الحزب، جاء في ظرف خاص جدا، كان يتطلع فيه الى آفاق جديدة، رغم أن لا وجود لخارجية ولا دفاع تحت السيادة التونسية، يتطلع الى برنامج تنموي شامل، (برنامج الاتحاد) فيه من الفلاحة الى التعليم ومقاومة الأمية... بدا البرنامج، وكأن تونس قطعت المرحلة الأخيرة من الاستقلال، بحيث كانت الاجابات على كل الملفات المذكورة... هذا ما كان يهمّنا كدستوريين وعمّاليين، في آن واحد... وفي نظرنا، فإن الانجاز المشترك (بين الحزب والاتحاد) ومواصلة عملية التحرير، ليس بالسلاح اذ نعتبر أن الاتفاقيات هي مرحلة... وموحّدين فيما بيننا، نواصل ما بدأناه...». وهنا استدرك «سي أحمد» بالتعليق: تاريخيا نعتبر أن معارضة صالح بن يوسف لهذه الاتفاقيات (لسنة 1955) بين فرنسا المستعمرة وتونس الواقعة تحت الاستعمار، هي التي عجّلت بأنهاء المشكل مع فرنسا... فقد دامت المسألة (ما بين الاستقلال الداخلي والاستقلال التام) تسعة أشهر... فقط، في ما كان مرجّحا أن تدوم أكثر...