ارتفاع أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    صفاقس: ولي يعتدي على معلّم.. والمربون يحتجّون    الموت يفجع حمدي المدب رئيس الترجي الرياضي    إحداث خزان وتأهيل أخرين واقتناء 60 قاطرة لنقل الحبوب    وزير الفلاحة : أهمية تعزيز التعاون وتبادل الخبرات حول تداعيات تغيّر المناخ    عاجل/ آخر المستجدات في ايران بعد وفاة "رئيسي": انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة..    عاجل : قتلى وجرحى في غرق ''ميكروباص'' بنهر النيل    كوبا أمريكا: ميسي يقود قائمة المدعوين لمنتخب الأرجنتين    وفاة نجم منتخب ألمانيا السابق    البطل العالمي والبرالمبي وليد كتيلة يهدي تونس ذهبية ويتوج بطلا للعالم    لأول مرة: إطارات تونسية تصنع الحدث .. وتقود نادي سان بيدرو الإيفواري إلى التتويج    دورة رولان غاروس الفرنسية : عزيز دوغاز يواجه هذا اللاعب اليوم    حاول اغتصابها فصدته: 20 سنة سجنا لقاتل قريبته..    مناظرة انتداب عرفاء بسلك الحماية المدنية    مفزع/ حوادث: 22 حالة وفاة و430 مصاب خلال 24 ساعة..    فظيع/ هلاك كهل بعد اصطدام سيارته بشجرة..    في الملتقى الجهوي للمدراس الابتدائية لفنون السينما ..فيلم «دون مقابل» يتوج بالمرتية الأولى    الكاف ..اختتام الملتقى الوطني للمسرح المدرسي بالمرحلة الإعدادية والثانوية    توزر ..تظاهرة إبداعات الكتاتيب «طفل الكتاب إشعاع المستقبل»    إختفاء مرض ألزهايمر من دماغ المريض بدون دواء ماالقصة ؟    اصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    بدأ مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه في تبريز    نقابة الصحفيين تحذر من المخاطر التي تهدد العمل الصحفي..    مقرر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان معلقا : ''كابوسا وانزاح''    صلاح يُلمح إلى البقاء في ليفربول الموسم المقبل    رئاسة الجمهورية السورية: إصابة أسماء الأسد بسرطان الدم    وزارة الفلاحة: '' الحشرة القرمزية لا تُؤثّر على الزياتين.. ''    هام/ هذا عدد مطالب القروض التي تلقاها صندوق الضمان الاجتماعي..    الرابطة المحترفة الأولى (مرحلة تفادي النزول-الجولة 11) : مواجهات صعبة لفرق أسفل الترتيب    عاجل/ تركيا تكشف معطيات خطيرة تتعلق بمروحية "الرئيس الإيراني"..    وزير الأعمال الإيطالي يزور ليبيا لبحث التعاون في مجالات الصناعة والمواد الخام والطاقة المتجددة    كان يتنقل بهوية شقيقه التوأم : الاطاحة بأخطر متحيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ...    الحماية المدنية التونسية تشارك في عملية بيضاء لمجابهة حرائق الغابات مع نظيرتها الجزائرية بولايتي سوق أهراس وتبسة الجزائريتين    سامية عبو: 'شو هاك البلاد' ليست جريمة ولا يوجد نص قانوني يجرّمها    البرلمان يعقد جلستين عامتين اليوم وغدا للنظر في عدد من مشاريع القوانين الاقتصادية    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    سليانة: معاينة ميدانية للمحاصيل الزراعية و الأشجار المثمرة المتضرّرة جراء تساقط حجر البرد    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    49 هزة أرضية تثير ذعر السكان بجنوب إيطاليا    طقس الثلاثاء: الحرارة في انخفاض طفيف    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    رئيس منظمة إرشاد المستهلك يدعو رئيس الجمهورية الى التدخّل لتسريع تسقيف اسعار اللحوم الحمراء    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    الاهلي المصري يعلن اصابة علي معلول بقطع جزئي في وتر اكيلس    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنديل الثاني: المفكر ندرة اليازجي ل «الشروق»: خلاص الانسانية بالوعي والمعرفة لا بالحروب والقتل
نشر في الشروق يوم 22 - 09 - 2009

(حسب مقولة ابن خلدون والذي كان يسعى إلى سماع الرأي من لدن شيخ فقيه ثم يسعى إلى آخر يسميه القنديل الثاني ليتلقى رأياً موافقاً أو مخالفا)
قنديلنا هذا الأسبوع من سوريا : المفكر ندرة اليازجي وتنوع الثقافات ووحدة العقل الإنساني.
حاورته رشا التونسي
ندرة اليازجي عضو جمعية البحوث والدراسات، ولد في قرية مرمريتا بسوريا، عمل أستاذًا للغة الإنكليزية والفلسفة وعلم الاجتماع، قرر منذ أواسط الستينيات، أن يدرِّس (فلسفة الأديان)، لشعوره العميق بأن التعليم الديني تحول في أكثر الأحيان، إلى مجرد ترديد لكلمات أفرغَتْ من كلِّ معنى عقلي ومضمون وجودي. وأن ولوج الأبعاد الأخرى يتم عبر تجربة داخلية صوفية تسقط من خلالها بحسب درجة عمق التجربة ونضجها الغشاوةُ التي حجبتْ عنا معاينة الواقع كما هو في داخلنا وفي الخارج. تتلمذ في صفوفه نخبة من أهل الثقافة والمعرفة في سوريا، وكان من أوائل من حدثهم عن وعي كوني يمثل وحدة الوجود. وكشف لهم نظرية العالِم الحكيم تلار دُو شاردان الاختصاصي بعلم الباليونتولوجيا «وهي نظرية الذروة التي بلغها التطور بظهور الإنسان في الوجود الأرضي. إذ يؤلِّف بين الخطَّين اللذين تفاعَل ضمنهما التطور وهما: الباطن، أي الخصائص النفسية والعقلية، والظاهر، وهو الشكل، ليلتقيا، التقاءً متكاملاً ومشتركًا. وهكذا يتحقق كمال التعقيد الأرضي في الإنسان»
ارتكز اهتمام ندرة اليازجي على ثلاثة اتجاهات فكرية هي: فلسفة الفيزياء ،فلسفة الأخلاق، وفلسفة الدين على اختلاف مدارسه: الإسلامي، المسيحي، الهندوسي، البوذي، إلخ، وفي شتى البقاع والأزمنة، من خلال رؤيته لدور الفرد في هذا الكل الواحد، في ماضيه وحاضره ومستقبله. وهو يستعمل لغة اليوم ومعارفه الموسوعية التي استقاها من فروع المعرفة البشرية العديدة في بسطه لتصوراته، وخلافاً للمفكرين الذين تبنوا هذا التصور، فهو لا يدعو إلى الإنعزال عن المجتمع بحثاً عن خلاص فردي، بل إلى مشاركة وجودية من خلال سيرة حياة أشبه بتصوف عقلي، والإقرار الفعلي بالوحدة الجوهرية للخبرات الروحية كافة، كونها تعبيرات متنوعة عن الروح الإنساني الواحد للمفكر ندرة اليازجي إصدارات عديدة ربما أهمها تلك التي اختصت باللاهوت الديني، ككتابيه رد على اليهودية واليهودية المسيحية ورد على التوراة, وقد بيَّن اليازجي فيهما كيف انحرف الدين اليهودي المنظم عن التجربة الروحية الحق، ليصير مشروعًا سياسيًّا جرف معه غالبية المذاهب المسيحية المُمأسَسة التي تخلت إلى حدٍّ كبير عن روحية تعاليم المسيح
الجهل يرافق المتعلم الذي يبقي علمه متحجراً في قوقعة الأنا المتملكة.
لماذا تركت علم الاقتصاد رغم دراستك له و قولك العلم محاولة لفهم الوجود ؟
لعلي وجدت في الاقتصاد نقصاناً للروح الانسانية رغم حاجة البشرية له، وجدت في الحكمة القديمة نفسي ووجدت فيها كنزاً كبيراً أستعين به لإنجاز مؤلفاتي الى جانب الكثير من الكتب العلمية. ووجدت الفلاسفة أصدقائي وأحبائي وفي مقدمتهم السهروردي وإبن عربي،
ما هي الثقافات المتنوعة التي نهلت منها، وساهمت عندك بإبراز وحدة العقل الإنساني؟
في كياني تلتقي ثقافات العالم لتشكل مركزاً تتكامل فيه الوقائع الظاهرية العديدة المتضمَّنة في هذه الثقافات في إلفة الحقيقة الواحدة التي نشاهدها كلما توغلنا إلى أعماق الحكمة أو السرَّانية التي تتوطد عليها القاعدة الأساسية للوجود الإنساني. في كياني تتحد فروع المعرفة كلُّها و تتصل. ويشير هذا الاتصال إلى توحيد الثقافات في أنماط المعرفة العالمية، في تآلف يبلغ ذروته في وعي كوني شامل.
ولجت محراب الحكمة اليونانية المتمثِّلة في تعاليم وأسرار دلفي، ومدارس الفلسفة اليونانية التي أنارت سبل التفكير الإنساني، وغرفت من معين الهند وحكمتها الخالدة، ودخلت بيت الحكمة الذي بناه الفكر الصيني ومثاليته الأخلاقية، وأخذت من شرقنا القديم خفايا ما انطوت عليه حكمته، فوجدت في عمقه قمة ما توصل إليه العقل الإنساني؛ وصمَّمتُ على معرفة الرواقية والأبيقورية؛ وشدتني الأساطير إلى رمزيتها الظاهرية، وباطنها السرَّاني، فنهلت من معين الميثولوجيا اليونانية، والهندية، واليابانية، والمصرية، والكنعانية، والأفريقية، والأمريكية الوسطى والجنوبية، المتمثِّلة بأساطير الأزتِك والإنكا والهنود الحمر، والأوروبية الشمالية، وأدركت أن ثقافتي العربية تتألق وسط كل الثقافات، وتستغرق كياني الإنساني، كشجرة حياة : جذع واحد تنضوي أغصانه المتمايزة تحت الجذور العميقة لشجرة واحدة ..
من خلال كتاباتك في معالجة المشكلات والقضايا الإنسانية العميقة، تركز اهتمامك دائماً على علم النفس التكاملي وربطه مع الحكمة الشرقية القديمة، في الوقت الذي يسود فيه لدى شريحة من المثقفين أن هذا التراث كان السبب في تخلفنا وغياب مجتمعاتنا العربية عن الركب الحضاري ؟
الإنسان في فرديته واجتماعيته وعالميته وكونيته، يشكل المحور الرئيسي لكتاباتي ; للغاية التي أهدف إلى تحقيقها. وقد وجدت أن الحكمة الشرقية ترى أن الإنسان قد انقسم على ذاته وتجزأت وظائفه النفسية وأدت إلى صراع داخلي، ودعت إلى عودة الإنسان إلى كيانه الموحد الذي يدعو إلى تأليف الوظائف النفسية وتكاملها في كيان تتفاعل فيه هذه الوظائف وتتكامل على نحو علم نفس تكاملي أو توحيدي. وفي الآونة الأخيرة، ظهر عالم نفس رائع، هو «كنْ ويلير» بلغ المستوى الأعلى لهذا العلم ودعاه «علم نفس الأعماق أو المتكامل في وحدته». وفي هذا العلم، وجدت المقاربة الفكرية بين علم نفس الأعماق ووجهة النظر الشرقية التي لم تكن تحليلية بقدر ما كانت تأليفية.
والغالبية العظمى للبحوث تأخذ بعلم نفس فرويد دون أن تفهم فرويد كما ينبغي، لم تعترف بأخطائه، ولم تطلع على الفرويدية المحدثة التي عدلت وجهة نظر فرويد لتقترب ولو قليلاً من علم النفس التكاملي. وعلاوة على ذلك، يعتقد أتباع تلك الشريحة أن خروجهم عن الحكمة الشرقية مدعاة للفخر والاعتزاز.
كيف يتمثل الإنسان الحكمة ويعمل على تطبيقها عملياً؟
نحن جميعاً نتحدث عن الأخلاق أو الفضيلة المعاشة والحكمة المطبقة في الواقع الاجتماعي، والحق، أن الحكمة تتمثل في مبادئ لتكون حياة فاعلة وقوة، هي توازن وتكامل، تسعى إلى التطبيق. وكما للرياضيات مبادئ، وللفيزياء قوانين، وللبيولوجيا صياغات، كذلك للحكمة مبادؤها التي تنبث في هذه العلوم وتتخللها. والمعلوم أن رمز الأطباء والصيادلة يشير إلى الحكمة. وعلى هذا الأساس دعي الأطباء في القديم حكماء. ولما كان هذا الرمز يمثل مراكز الطاقة السبعة القائمة والكامنة في العمود الفقري انطلاقاً من قاعدته السفلى ووصولاً إلى الغدة الصنوبرية، فقد أصبح هذا الرمز مثالاً للحكمة وتعبيراً عنها. وقد تحدث الأقدمون عن الإنسان الحكيم الذي يحقق الطاقة الكامنة في تلك المراكز.
من هذا المنظور فالحكيم هو كل إنسان يبلغ بعمله أو علمه أو اختصاصه المستوى الرفيع والسامي والمعبر عن الغاية النبيلة التي يتوخاها في علمه أو معرفته.
الفكر العلمي يقول بالصراع كمحرِّك لعملية التطور، بينما تقول أنت بمفهوم آخر كمحرِّك للتطور، هو التكامل. كيف توضح ذلك؟
إنجلز تحدث عن جدلية الطبيعة المادية، وسماها صراعاً. وأنا أعتقد أن القطبين المتقابلين ليسا قطبي صراع. مثلاً: السلب والإيجاب، الرجل والمرأة، الخ. على هذين القطبين أن يتكاملا. هناك توازن وتكامل في الطبيعة، وفي العقل الإنساني؛ فما هو طبيعي هو عقلي، كما قال هيغل. نحن ندرس الطبيعة حتى نتوازن مثلها. فعوض كلمة الصراع هناك كلمة التكامل. والتكامل يعني التوازن. ففي علم النفس توصل الباحثون إلى أهمية التوازن في الوظائف النفسية. فمتى اضطربت وظيفة من الوظائف، فإن خللاً ما يصيب الشخصية ويبلغ الانفعال أقصاه، كذا شأن التكبُّر الناجم عن تجمُّع عاملين أو ثلاثة. فلا يوجد عنصر واحد يشكل التكبُّر. فالغنى وحده لا يشكل التكبُّر، لكن تضاف إليه العائلة أو الطبقة أوالجمال الجسماني. ولا يوجد إنسان متكبِّر إلا ويعاني من عقدة نقص.
هل يكفي امتلاك المعرفة وحدها لصنع الحضارة أم تحتاج معها إلى قوة؟
عندما نتحدث عن المعرفة، نقصد المعرفة بحقائق الأمور والأشياء. وهكذا تتنوع المعرفة إلى معارف. وكلما زادت المعرفة، تقدم العقل الإنساني في مضمار الحضارة، وعلى الرغم من أن الحضارات القديمة نشأت في المناطق التي توفر فيها الماء والتربة الصالحة للزراعة والطقس المعتدل، لكن هذه الحضارة لم تكن حريّة بالتقدم والازدهار لولا العنصر الإنساني الذي ركز عقله على معرفة حقائق الأشياء. ولهذا السبب، نشأت الحضارات الأخرى في بيئات مختلفة كان العنصر الإنساني يعوّض بمعرفته الفائقة، عن العوامل الطبيعية. والإنسان الحضاري العارف يسعى إلى الإستزادة من المعرفة ليبلغ مستوى أرفع من كل الأبعاد التي تتطلبها الحضارة، والقوة هي قوة التكامل الداخلي حتى لا نكون ضعفاء، وهي لا تشبه العنف، المعرفة تمثل القوة، والضعف يترجم إلى عنف .
حددت فرقاً بين المتعلم الجاهل والمتعلم المثقف ؟
الجهل يرافق المتعلِّم الذي لم يجعل من علمه ثقافة تتمثل في رقي حضاري وإنساني، وأبقى علمه متحجراً في قوقعة الأنا المتملِّكة، التي تسعى إلى مصلحتها الذاتية، وتقوِّم كل شيء آخر بمقياس محدوديّتها التي تركِّزها في مهنتها وإختصاصها، الإختلاف بين المتعلم الجاهل، والمتعلم المثقف الواعي الباحث عن حقيقته ومعنى وجوده، قائم في الإختلاف بين الإنسان الناجح والإنسان العظيم، «السبب» الذي يدفع الإنسان إلى التعلم يؤدي إلى النجاح، و«الغاية» التي تدعو الإنسان إلى التعلم تؤدي به إلى المعرفة والوعي وهي العظمة الكاملة..
إذن كي نميز بين الإنسان المتعلم والإنسان المثقف يمكن أن نطرح سؤالا : لماذا نتعلم ؟
لابد من التمييز الدقيق بين السببية والغائية. فإذا كان النجاح ناتجاً عن السبب الدافع إلى التعلُّم، كان الإنسان متعلِّماً يحصر علمه في نطاق مصلحته الخاصة دون أن يهتم بمصلحة الآخرين أو بنفعهم وخيرهم، ودون أن ينظر إلى وضعهم الاجتماعي أو يقدِّر إنسانيتهم، أو معرفتهم أو وجودهم. هذا لأن جميع الناس وجميع الأشياء في رأيه، قد وُجِدوا ليدوروا في فلك علمه ونجاحه ، إنه إنسان يأخذ أكثر مما يعطي. وإذا كان الوعي أو الحكمة أو العظمة تمثِّل الغاية التي يهدف إليها الإنسان من التعلُّم، بحيث إنه لا يجعل من علمه سبباً للنجاح بل دعوة إلى تحقيق غاية سامية، وخدمة الإنسانية، وشعور حقيقي بالوجود، أو بناء شخصية متماسكة ومتكاملة، ندرك أنه كائن عارف يمد أبعاده إلى جميع الناس، ويحترم مشاعرهم، ويعتبر أوضاعهم المهنية والاجتماعية، ويتعمق في مضمون المعارف كلها، عندئذ ندرك أنه كائن متعلِّم ومثقف وحضاري، إنه إنسان يعطي أكثر مما يأخذ. الإنسان العظيم الواعي، يجعل من علمه ثقافة تستند إليها الحضارة. بالإضافة إلى علمه الخاص، المتحوِّل إلى مهنة، يهتم بالاتجاهات الفكرية والمفاهيم الإنسانية الأخرى، ويسعى إلى فهمها، ولو على نحو نسبي، ويكمن جهل المتعلِّم الذي يضع نفسه في محدوديّة علمه الخاص. وادعائه بعلمه الذي حرفه إلى مهنة، وفي افتخاره بجهل معلومات ومعارف أخرى ويزعم أنها لا ترتقي إلى مستوى علمه أو مهنته. فقد يكون طبيباً أو جامعياً أو غير ذلك وهو يجهل الكثير عن الموسيقى الراقية أو الفن الرائع،.أو لوحة فنية دفع ثمنها غالياً وعلقها في صدر منزله، ويُحتمَل أن لا يعبأ المتعلِّم الجاهل بأمور مجتمعه وبيئته، ولا يصادق إلا من كان شبيهاً له وقريباً من أفكاره، وذلك لأنه يلوِّن جميع الأشياء بلون علمه ومهنته،، إنه جاهل بما يضيفه إلى ذاته، يفتخر بما يملك، ويجهل ما يمتلك، إنه جاهل متعلِّم، وليس متعلِّماً مثقفاً.
خصصت كتابات عن ثقافة التسامح ؟
ثقافة التسامح تتحقق على مستويين :
مستوى أخلاقي : أحقق فيه سمو كياني الإنساني الممتلئ بالمحبة والتسامح والتعاطف والمشاركة وأتجاوز الموقف السلبي الصادر عن الآخر .
مستوى عقلي: أحقق فيه حكمة منطقي التي تقضي بفهم الآخر وموقفه الفكري، ووجهة نظره، ومبدئه وعقيدته، مما يدعوني الى احترام الاختلاف القائم، والاعتراف بالتنوع والتعدد الذي يغني الوضع الإنساني في كل مجال من مجالات المعرفة، وهذا يؤدي إلى تجرد ثقافة التسامح من الإدانة والإدانة المضادة .
هل هناك عوائق تحول دون تحقيق ثقافة التسامح؟
ردود الأفعال الانفعالية التي تؤدي إلى العنف الذي لا يعني القوة، فالقوة تعني التوازن أو التماسك أو التكامل الداخلي في كيان الإنسان / القناع الذي يحول دون رؤية الحقيقة كما يحول دون فهم الآخر/ الموقف السلبي المجسد بالتفسير الحرفي للمبادئ الإنسانية والروحية، التي هي في الواقع جميعها تمتلك الحقيقة في تنوعات التعبير والصياغة..
كتبت عن الألم الرومانسي. كيف يمكن أن يكون الألم رومانسيا ؟
تشير نوازع الإنسان وأشواقه إلى طاقة داخلية تتحرك. ففي أعماق الإنسان آمال وعواطف تهفو إلى التحقق وتأمل في الاستمرار. وقد أبدع الشعراء والأدباء في التعبير عن مكنونات القلب الإنساني، وصوَّروا سعادة الإنسان وشقاءه في ظل الحب والتعاطف. لذلك نجد أعظم وأجمل ما عبَّر عنه قلب الإنسان في اللهفة والشوق، في اللقاء والفراق، في بثّ الخواطر وفي النجوى. وكأن الإنسان يبث لواعج قلبه لنفسه من خلال الآخر الذي هو نصفه الثاني. الصديق يتألم في ابتعاد صديقه وفراقه، والمحبُّ يتألم ويتحرق لرؤية حبيبته، والحبيبة تتألم لأنها لا تحقق عواطفها، والأم تتألم لفراق زوجها أو ابنها أو ابنتها، وكل إنسان يجد في الآخرين ملاذاً له، وذلك لأنه يبحث عن نفسه في الآخر. هنالك نداء القلب للقلب، والروح للروح، هنالك نداء عميق للآخر في الإنسان،.
ألفرد دي موسِييه شاعر الألم الرومانسي علَّمنا أن الألم العظيم يجعل الإنسان عظيماً، وقد عبر عباقرة الموسيقى والرسم والكتابة عن شعور دفين بالألم. ولم تكن عبقريتهم لتتألق لو لم يتألموا، ومع الأسف اليوم تطلعات الألم الرومانسي أمست تتأجج في عالم لا يعبر عن حقيقته..
كتبت أن أكثر الشخصيات التي أثرت في قراءاتك شخصية إبن عربي ؟
إبن عربي يشمل الانسانية بأكملها، لأنه يرى الانسانية كلها بداخله، فيحبها، لأن دينه أصبح دين حب، وهذه الشمولية العظيمة موجودة في فكر هذا الشيخ الصوفي، الإنسان كائن عظيم كوني وإلهي بمفهوم التجلي، عندما يتحدث إبن عربي عن الحب يقول : «الحب بقدر التجلي والتجلي بقدر المعرفة «وبذلك إستطاع أن يقيم توازناً وإنسجاماً بين العقل بوصفه الأداة الأساسية للمعرفة، وبين الإيمان القاعدة الأساسية والتوق العظيم للفناء، أو لفناء الفناء .
وعندما يتحدث عن شجرة الكون، فهو يتحدث عن شجرة الحياة، والتي شكلت من حبة وأصبحت شجرة ممتدة تتأمل الانسان إلى ما لا نهاية، وبقدر ما يشدد على الإيمان يشدد على المعرفة، لأن العقل سيد الوجود الأرضي، فاذا ما استغرق في غيبوبة عميقة وتجلت له الحقائق، عليه اذا ما عاد إلى حالة اليقظة أن يعرف كيف يعبر عن تلك الحقيقة التي استغرقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.