يقول الأستاذ الباحث «رشيد الذوادي» بأن الولي الصالح محمد المسطاري ينحدر من عائلة مغربية ثرية احب الله وأحب رسوله محمدا وعاش زاهدا في الدنيا منذ صغره وفي المغرب تردد محمد المسطاري على الكثير من الصالحين والعلماء خاصة في مدينتي مكناس وفاس وكانت أمنيته الوحيدة في الطواف على أبواب هؤلاء هو ان يشفي غليله من بركتهم وعلمهم حتى تتجلى عن نفسه تلك الحيرة. ويضيف محدثنا بأن محمد المسطاري سافر الى الحجاز ولم يحمل معه زادا للطريق وفي طرابلس قرر ان ينفصل عن الجماعة الذين كانوا معه يرافقونه حتى لا يضايقهم كامل ايام الرحلة. دخل محمد المسطاري احد مساجد مدينة طرابلس وقت صلاة العشاء وتفطن القوم له فطلبوا منه ان يخرج لكنه أجابهم بقوله اني رجل غريب وليس لي مكان أبيت فيه. وألحّوا عليه ان يخرج والإمام مندهش لما رأى دون جدوى وأخيرا أجبره المؤذنون على الخروج فبات ليلته امام المسجد. وما ان بزغ الصبح حتى أقبل الإمام على المؤذنين مهرولا وقال لهم: «حدث ما لم أكن اتوقعه». قال أحدثكم عما رأيت البارحة وما رأيت ايها الشيخ؟ «رأيت رجلا يحمل عصا وهجم علي ليضربني وهو يقول أراد إبني ان يبيت في المسجد فمنعتموه». وماذا قلت للرجل؟ ماذا أقول لقد اعتذرت له ووعدته بتسوية الامر في يوم الغد. وما هي الا لحظات حتى اسرع المؤذنون يبحثون عن محمد المسطاري ليعتذروا له. ووجدوا الشيخ محمد المسطاري وأكرموه وزودوه بما يكفيه من مؤونة ومال طيلة مكوثه هناك. تلك هي مكرمة من مكرمات هذا الولي الصالح. وعاد محمد المسطاري الى المغرب اثر الفراغ من مناسك الحج ثم عاد الى تونس واستقرّ بمدينة بنزرت (1083ه 1672م) بعد ان اكترى دارا هناك وبدأ ينشر طريقته وهناك هرع اليه الناس من كل حدب وصوب وبلغ امر هذا الولي الصالح الى الأمير (مراد بن محمد باي) فبنى له الزاوية المعروفة باسمه في بنزرت سنة 1084ه 1673م وحبس عليها اوقافا كبيرة. وبما ان الشيخ محمد المسطاري يميل الى السياحة والتجوال فكّر في الخروج من بنزرت فزار الشام وحلب والقدس والخليل والحجاز واشتهر في كل هذه البلدان بعمله وعفته وتواضعه وحبه للفقراء وظل حريصا على توزيع كل ما عنده على الفقراء وعلى اتباعه وقال للموزع «ان ابقيت منها شيئا أمرت ضربك لكل ريال ضربة». هذه لمحة سريعة عن حياة هذا الولي الصالح الصوفي الذي قضى فترة طويلة في بنزرت واشتهر بكراماته وحج تسع مرات وقد توفي بمكة المكرمة عام 1103ه. وتعدّ زاويته الآن معلما تاريخيا هام من معالم الأتراك في بنزرت (القرن الحادي عشر للهجري) بناها مراد باي إكراما للشيخ محمد المسطاري الذي استقر ببنزرت منذ عام (1083ه1672م) وطابع بناء هذه الزاوية هو تركي وجدد هذا الطابع على نفس النسق وتعتبر هذه الزاوية آية من آيات الابداع والفن المعماري الاسلامي في مدينة بنزرت.