حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يكشف «سي أحمد بن صالح» بأن صالح بن يوسف، كانت له حجّتان في رفض «اتفاقيات 55» الأولى أن الاستقلال منقوص (بلا داخلية ولا دفاع) والثانية أنه يعتبر أن قبول الاتفاقيات المنقوصة في تونس، من شأنه أن يضعف الثورة الجزائرية.. فهم يريدون أن لا يتوقف الكفاح (المسلّح) في تونس، ضدّ الاستعمار الفرنسي، حتى تكون عملية الكفاح والتحرير الوطني موحّدة مغاربيا.. ولكني أعتقد من جهتي أن ذلك لم يكن ممكنا.. فالمغرب وتونس لعبا بعد 1956 دورا أساسيا في كونهما تحوّلا إلى قاعدتين شرقية وغربية للثورة الجزائرية.. إضافة إلى أن مسؤول النقابات الجزائرية (الأمين العام) كان مكتبه إلى جانب مكتبي في نهج محمد علي بالعاصمة، حين كنت كاتبا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل» هكذا يختزل «صاحب المذكرات» قصّة الخلاف من وجهة نظر صالح بن يوسف، وقد شهدنا طوال الحلقات القليلة الماضية، كيف بدأ الخلاف بين بورقيبة وبن يوسف، وكيف كان «سي أحمد» أحد أبرز الشخصيات الوطنية التي حاولت بجدية رأب الصدع بين مسؤولين أول في الحزب الحرّ الدستوري، في مرحلة يصفها «سي أحمد» بالدقيقة في حياة تونس.. قلت ل«سي أحمد» بن صالح: لو نعد قليلا إلى مؤتمر الحزب بصفاقس، والذي كان فيه موضوع الخلاف متفجرا، ماذا حدث في شأن «الحركة اليوسفية»؟ فقال:«...وقع السجال بالسلاح... تحول الخلاف إلى سجال بالسلاح..» قلت: وفي أي منطقة تحديدا؟ قال: «في كل المناطق... فقد تكونت مجموعة يوسفية، لم تقبل تسليم السلاح... ولكن مع الأسف تطورت الأمور، وقد استتب الوضع الداخلي بالاتفاقيات أولا... ثم الإستقلال فالمجلس التأسيسي... من ذلك أن الهياكل تمركزت في ظرف وجيز... وهو الأمر الذي ربما يكون أبعد شبح حرب أهلية عن تونس... تمركزت الهياكل إذن، وضمت مجلسا تأسيسيا انتخب وبدأ هدفه الأساسي وهو تحرير الدستور.. وهنا وسعنا من مشمولات المجلس، باقتراح شخصي مني، بحيث يستطيع المجلس الدستوري الذي كان مخصصا لتحرير الدستور، يستطيع أن يعطي الحق لنفسه لمراقبة الحكومة... وكانت حجتي في ذلك، أنه لا نستطيع كنواب منتخبين في المجلس التأسيسي أن نكون مجتمعين ونعدّ الدستور، وبعض الميزانيات لا نطلع عليها مثلا..». سألت الأستاذ أحمد بن صالح:«وأنتم بصدد تحرير الدستور، هل مارستم هذه المهمة؟ فقال: نعم، مارسناها... ولكن هناك من واجهنا باللوم وقال إن هذه ليست مهمتكم... فقلت: نحن في فترة أوضاع إنتقالية ولا نستطيع إعتماد قواعد..» والحقيقة لنا عودة إلى المجلس التأسيسي ومهامه، بعد هذا الملف الذي فتحنا، حول الخلاف بين بن يوسف وبورقيبة من ذلك أني سألت محدثي: هل رأيت صالح بن يوسف مرة أخرى... وكيف خرج من البلاد؟ قال «سي أحمد» بعد برهة من التفكير: لم أر صالح بن يوسف منذ المقابلة التي تمت معه، وقد زرته في بيته أنا وحسن بن عبد العزيز... حين علمت من عنده أن بورقيبة بثّ بلاغ فصل الكاتب العام للحزب (بن يوسف)... وكانت آخر مكالمة معه، من نزل بصفاقس، حين خاطبته بالهاتف، وطلبت منه أن يلتحق بالمؤتمر بصفاقس (1955) ليكون المؤتمر هو المرجعية في حل أي خلاف، فرفض... وفيما بعد سمعت أنه خرج من تونس... ويقال وقتها، ولم يكن ذلك أمامي، إن بورقيبة غضب كثيرا وحمل بشدة على المنجي سليم، الذي كان يعتبره، ربما، سببا في خروجه... لست أدري فلم تكن لدي مسؤولية في الديوان السياسي أو في الأمن حتى أعرف... فقط كنت النائب الأول لرئيس المجلس التأسيسي... وحتى عندما عوض بورقيبة رئيس المجلس (هو نفسه) وأصبح جلولي فارس هو الرئيس، لم يعلمني أحد بذلك... فيما بقيت أنا محافظا على صفة النائب الأول لرئيس المجلس، ورئيس اللجنة العليا المشرفة على تحرير الدستور...» عود على بدء، سألت صاحب هذه المذكرات، عن تاريخ الخلاف بين بورقيبة وبن يوسف، خاصة وأن «سي أحمد» كان قد أشار في حلقة سابقة بأنه يعتقد أن الخلاف له جذور شخصية... وهنا شدد على أنه «من الضروري أن نبحث في الأسباب، فقد تبين مثلا أنها خلافات عتيقة (قديمة) منذ تأسيس الحزب، وربما لم يتخذ الرجلان، إحتياطاتهما لمثل هذا البلاء... وهذا بإعتقادي دليل على غياب التوجه النظري والاقتصادي والاجتماعي والفلسفي للحزب... فالحزب، كل حزب، لا بد له من فلسفة... فلسفة التحرير من الاستعمار.. هو باب كبير، لا بد وأن نسأل: ماذا سنضع فيه؟ مسيرة الحزب، تمثلت في ثنائية بين الاستعمار والمناضلين ضده... وأعتقد أنه دون أن نضمن توجهات نظرية «عقيدة دنيوية تحتوي على برامج اقتصادية وتربوية... وتتطور بتطور العصر...» ما هو شعور صاحب هذه المذكرات تجاه الأزمة؟