حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يقول «سي أحمد» بن صالح وهو يحوصل مسألة الخلاف بين بورقيبة وصالح بن يوسف، وهو خلاف عرف أوجه آخر سنة 1955، أي بعد إمضاء الاتفاقيات من قبل حكومة بن عمّْار، ان النقابيين، أي المسؤولين في الاتحاد «حاولنا أن نرأب الصدع وأن ننهي الخلاف بين بورقيبة وبن يوسف، كما أن هناك أطرافا أخرى، حاولت أن تقوم بوساطات، مثل الاتحاد وربّما أكثر... وفي هذا الباب، ليست لي وخزة ضمير واحدة تجاه صالح بن يوسف بخصوص الخلاف»... كان «سي أحمد» يقول هذا الكلام، وقد سألته عن نهاية الخلاف، وكيف أن عديد المنظمات الوطنية، انحازت الى خيار بورقيبة.... تواصلت اذن مسارات التفاوض والتهيؤ لتونس المستقلة، وكان من ضمن النقاط التي حاول «بن صالح» أن يقنع بها صالح بن يوسف الذي عارض الاتفاقيات (55)، موضوع المجلس التأسيسي... فكيف تم ترشّح النواب الى المجلس التأسيسي أول هيكل تشريعي في تونس المفاوضة على الاستقلال. «تشكّل المجلس التأسيسي عقب «اتفاقيات 55» حول الحكم الذاتي، وقد ترشحنا كنوّاب للشعب عبر انتخابات.. وهنا لابدّ من التأكيد ان الكتلة النيابية للاتحاد، كانت مؤلفة من 24 عضوا، وكنّا نحن الكتلة المنبثقة عن الاتحاد من اقترح مهام اضافية للمجلس التأسيسي حتى لا يحرم نفسه كهيكل تشريعي من مراقبة أداء الحكومة... وقد ترأس الطاهر بن عمار تلك الحكومة، حكومة المفاوضات وبعدها الحكومة التي أمضت على وثيقة الاستقلال في 20 مارس 1956.. وكان بورقيبة، كرئيس للحزب الحر الدستوري، قد انتخب رئيسا للمجلس التأسيسي، من أعضاء المجلس وذلك بعد ان أقال (أطرد) بن يوسف». وهنا سألت «سي أحمد» عن توقيت إنشاء المجلس التأسيسي، فقال: «تشكّل المجلس التأسيسي بين الفترتين، اي بعد إمضاء «اتفاقيات 55» وقبل اعلان الاستقلال في 1956».. وباتصال بمسألة الانتخابات والترشح الى المجلس التأسيسي، كشف «سي أحمد» النقاب عن انه ترشح على قائمة الجنوب، وعندما سألته لماذا الجنوب بالذات قال: «لأن الجنوب مليء باليوسفيين... ولم يكن يوسفي واحد ينتابه اعتقاد أنني ضدّه». لكن كيف تنظّمت القوائم، هل كانت على أساس حزبي أم على أساس قطاعي (منظمات ونقابات) أم كان الأمر خليطا بين هذا وذاك؟ عن هذا السؤال يقول صاحب هذه المذكرات: «كوّنا جبهة وطنية فيها المنظمات الوطنية وكذلك الحزب الحر الدستوري وكنت أمثّل الجنوب الشرقي من قابس الى حدود الصحراء، وكان محمود الخياري مترشحا على جرجيس ومحمد الري عن تطاوين. أما بوعواجة فكان مع محمود الخياري عن جرجيس أيضا». الحزب الشيوعي التونسي، كان موجودا وقتها ، هل دخل معكم في هذا المسار، وأعني مسار تكوين وانتخاب المجلس التأسيسي؟ قال «سي أحمد» بعد برهة من التفكير: «نعم، ترشحوا ولم يفوزوا بمقاعد.. في المجلس». قلت: وهل كان الحزب الشيوعي ناشطا في هذا المجال؟ فقال: «نعم كان ينشط.. وذكرياتي عن الحزب الشيوعي، انه،ولمّا كنت كاتبا عاما لشعبة باريس،وقد كنت طالبا هناك، في آخر الأربعينات، جاءني أترابي من الطلبة التونسيين الشيوعيين، وقالوا لي ان ندوة ستعقد في بروكسيل، فيها فرنسيون وأفارقة، وسوف ينظر المشاركون، كيف يمكن أن ينضمّ هؤلاء الأفارقة ومنهم تونسيون في «L'union Française» فقلت لمخاطبي، أنا هنا ممثل الحزب الحرّ الدستوري أعمل وأناضل من أجل الاستقلال..». وبالرجوع الى عملية الاقتراع التي أفرزت المجلس التأسيسي، وقد كانت البلاد تحت الاستعمار المباشر، سألت الأستاذ «أحمد بن صالح»: كيف كان الأساس للاقتراع، هل كانت الصناديق، أي بالاقتراع المباشر؟ قال: «كان الانتخاب عن طريق الشعب وعن طريق فروع الاتحاد العام التونسي للشغل وعن طريق فروع المنظمات الأخرى، وكذلك عن طريق الحزب وفروعه في كامل البلاد.. وفعلا، كان الاقتراع عن طريق الصندوق.. وهي انتخابات لم يطعن في مصداقيتها أحد.. وكان الطاهر بن عمّار على رأس الحكومة، التي تمّت في عهدها هذه الانتخابات، وقد مرت بلا حوادث تذكر..». قلت في سؤال: «في الحملة الانتخابية، التي خضتم، من أجل الترشح للمجلس التأسيسي، هل تهجّمتم على صالح بن يوسف، كسياسة، وكخيار بما أنكم اتجهتم نحو خيار الديوان السياسي إن شئنا؟ فقال: «لم نتهجم على صالح بن يوسف، ولم نقم بالحملة الانتخابية، انطلاقا من نقد لسياسته وخياراته الرافضة للاتفاقيات.. والتي اعتبرها هو بنفسه، خطوة إلى الوراء.. وشخصيا لم أتكلّم ضدّه أبدا..» وهنا واصل دون أن أسأل ليتحدث في الجلسة الأولى للمجلس التأسيسي: «ترأس الجلسة الافتتاحية للمجلس أكبر النواب سنّا وكان لا بدّ وأن يكون كذلك.. وكان وقتها محمد شنيق أكبر النواب سنّا.. ومعه نائبان من أصغر النواب سنّا وهما: أحمد بن صالح وأحمد المستيري».. قلت مازحة: يعني محمد شنيق رئيسا.. والأحمدان نوّابه؟ فقال: «نعم.. (وكان يضحك للملاحظة) ثم تابع: في نفس الجلسة الأولى، انتخب بورقيبة رئيسا للمجلس التأسيسي، وانتخبت نائبا أوّل للرئيس، وذلك على أساس أن كتلة الاتحاد العام التونسي للشغل هي أكبر كتلة نيابية في المجلس.. ومن ثمّ تكوّنت اللّجان المختصّة التي ستبدأ عملها صلب المجلس التأسيسي».. فإلى تفاصيل أخرى ومرحلة أخرى من تاريخ تونس، على لسان الأستاذ أحمد بن صالح..