لأنهج المدينة العتيقة تاريخ وملامح اضحمل أغلبها وصمد البعض منها رغم مرور السنوات والعقود الطويلة والقرون. وقد تحدث الباحث محمود زبيس عن هذه الملامح وأفاض في الحديث عن كل ما يتعلق بتاريخ عدد كبير من أنهج المدينة العتيقة والحي الأوروبي الجديد خارج الربضين من خلال دراسته الشهيرة والمعنونة ب «من سيدي محرز الى المقام الشاذلي أو في كل خطوة ذكرى بين المدينة والربضين» التي نشرتها مجلة معالم ومواقع تباعا وعلى امتداد سنوات طويلة والتي سنعتمدها كمصدر أساسي للحديث عن الملامح القديمة لأشهر أنهج المدينة العتيقة. سنواصل من خلال هذا العدد الجديد من ركن أنهج المدينة العتيقة: تاريخ وحضارة الحديث عن هذه الملامح التي أمحى بعضها وصمد بعضها الآخر. يقول الباحث محمود زبيس في هذا الصدد: مواصلا حديثه عن الملامح القديمة لأنهج مدينة تونس وتحديدا بعد الخروج من مقبرة الزلاج وباب الفلة: الحبيب ثامر من أهم ما يوجد خلف مبنى هذا المستشفى وما حوله حي منفلوري أي الربوة (أو الجبل) التي ينسب اسمها الى فلوري الذي كان مربيا ووزيرا لملك فرنسا لويس 15 (17151774) وذلك وصولا الى زاوية السيدة عائشة المنوبية ومن أعلى ربوتها التي تشرف على سبخة السيجومي غربا من جهة وعلى جزء كبير من مدينة تونس جوفا من جهة أخرى. ثم ذهابا عبر باب القرجاني (الذي أزيل منذ سنين مع الأسوار الأخرى) ومنه الى حي باب الفلة والجيارة عبر شارع علي طراد «شارع فوبان سابقا، وفوبان كان ماريشالا (مشيرا) ومهندسا بارعا أخصائيا في الحصون بين الحدود الفرنسية في عهد الملك الفرنسي لويس 14 (16381715)». ويفضي هذا الشارع الذي يؤدي بنا الى ذكر ما هو موجود قبل السكة الحديدية التي توازيه الى غاية الوصول الى داموس السيدة، وإيابا عبر هذا الشارع الى نهج سيدي عبد الجليل الذي يفضي الى نهج الرتل (نهج الطاهر الحداد اليوم) وآرل (وهي عاصمة لمقاطعة بجنوب فرنسا كانت في العهد الروماني مدينة تحتوي على مسرح اثري يشبه مسرح «قصر مدينة الجم الأثري»). ثم نجد حفرة كريط (نهج أبي القاسم الشابي حاليا) حيث نجد وسط هذه الدائرة العمرانية أضخم التجمعات السكنية الشامخة والمكلفة مبانيها من حيث هندستها وشكلها وطابعها المعماري الأوروبي وكان يسكنها كبار الموظفين والأعيان والوجهاء الفرنسيون. وقد أحدثت لفائدتهم جميع المرافق الضرورية والكمالية كتعبيد الأنهج والأرصفة والمعابر المؤدية الى منازلهم كالنور الكهربائي وغيره، فكانت أسماء الأنهج تنسب الى مقاطعات أو مدن أو قرى أو شخصيات علمية وأدبية (كالشعراء والكتاب) أو سياسية فرنسية بارزة حيث كانت العلامات الحديدية المعلقة على الجدران والمعرفة بأسماء الأنهج في الأحياء الأوروبية (خارج الحومة العربي) تحمل فوق اللون الأزرق الكتابة باللون الابيض بالفرنسية من فوق وبالعربية من أسفل. والمعلوم هنا انه بمقتضى قرار مؤرخ في 31 مارس 1964 (الرائد الرسمي التونسي في 30 أفريل 1946) أدرجت هذه الأحياء ضمخن منتطقتين (د و) ضمن خمس مناطق عمرانية نعتت بمناطق ثانوية أضيفت لتخضع الى الضريبة البلدية على العقارات (الزبلة والخروبة) لفائدة بلدية تونس وذلك طبقا للأمر الصادر في 12 أفريل 1945. أما في آخر شارع علي طراد الذي تتفرع عنه الأنهج المؤدية الى نهج الطاهر الحداد يوجد معهد منفلوري للبنات والمعهد العلوي الذي أمر ببنائه علي باي (18821902) كمدرسة لترشيح المعلمين قبل تحويلها الى بطحاء المركاض التي تفضي الى نهج باب الفلة. يتبع إعداد ناجية المالكي المصدر: مجلة معالم ومواقع عدد 15 أوت 2004