لأنهج المدينة العتيقة تاريخ وملامح اضمحل أغلبها وصمد البعض منها رغم مرور السنوات والعقود الطويلة والقرون وقد تحدث الباحث محمود زبيس عن هذه الملامح وأفاض في الحديث عن كل ما يتعلق بتاريخ عدد كبير من أنهج المدينة العتيقة والحي الأوروبي خارج الربضين ورصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمعمارية التي طرأت على ملامح أنهج مدينة تونس وعاصرها الباحث ووقف على أهم التحولات في الشكل والمضمون لأهم المنشآت والمؤسسات والدور الفخمة التي كانت علامة من علامات تميز هذه المدينة العريقة من خلال دراسته الشهيرة والمعنونة ب«من سيدي محرز إلى المقام الشاذلي أو في كل خطوة ذكرى بين المدينة والربضين» التي نشرتها مجلة معالم ومواقع تباعا وعلى امتداد سنوات طويلة والتي سنعتمدها كمصدر أساسي للحديث عن الملامح القديمة لأشهر أنهج المدينة العتيقة. وسنواصل من خلال هذا العدد الجديد من ركن أنهج المدينة العتيقة: تاريخ وحضارة الحديث عن هذه الملامح القديمة لأنهج مدينة تونس وسنخصصه للحديث عن ربض باب الجزيرة. بانتهاء عبورنا من نهج الصباغين نخرج من المدينة العتيقة في اتجاه ربض باب الجزيرة وأمامنا نهج سيدي البشير تاركين نهج الجزيرة المؤدي إلى محطة الأرتال شرقا وشارع باب الجزيرة غربا ونهج باب الفلة شمالا وبينهما الجامع المعروف بجامع باب الجزيرة البراني (أي ذلك الذي يوجد خارج سور المدينة) وهو معلم تاريخي مرتب ويعرف أيضا بجامع الجنايز حيث كانت تقام به الصلاة على الموتى قبل دفنهم بمقبرة الجلاز. وقد تم بناء هذا الجامع على نفقة أهل الربض في العهد الحفصي (القرن 13م) وقد أحدث فيه خطبة الجمعة الإمام عبدالله المغربي في أواخر القرن 19. أما المحراب فهو من بقايا البناء الأصلي وتم ترميم الجامع أثناء تهيئة منطقة سيدي البشير بعد الاستقلال حيث كان ولم يزل نهج سيدي البشير المدخل الجنوبي للعاصمة فلم يبق فيه ظاهرا اليوم من المباني القديمة إلا القليل. ومما يذكره التاريخ أن ربض باب الجزيرة كان يتميز بوجود عدد من المعالم التاريخية التي هدم أكثرها خلال الحرب العالمية الثانية (ربيع 1943) منها حمام الزلاج الذي هدم على رؤوس عدد كبير من النساء كن بصدد الاستحمام كما وقع إزالة عدد من المباني الأخرى مثل سبيل باب عليوة (أو باب علاوة) الذي كان ينتصب حوله وتحت أقواسه المصنوعة من الحرش الحلاقون المتجولون. وفي آخر نهج سيدي البشير نجد بقايا السور الخارجي مع أقواس باب عليوة التي شملتها أشغال تهيئة حي سيدي البشير في الستينات من القرن الماضي حيث شيدت بلدية تونس العديد من العمارات، وقد شملت التهيئة تهديم الزاوية الملاصقة للباب فالمتاجر ودكاكين أصحاب الحرف كالصفايحية والبرادعية وغيرهم من الحرفيين كما كان بهذا المكان أيضا فنادق إيواء الدواب وعابري السبيل الذين يدفعون ثمن هذه الخدمة إلى الحناطة وهم تجار العلف والحبوب والنخالة والدرع والحمص والفول والقرفالة والذرى إلخ.. إعداد: ناجية المالكي المصدر: مجلة معالم ومواقع عدد15 جوان 2003
