عندما كنا نبحث في وضع الاعلام الفضائي العربي خلال عقد التسعينات وبداية القرن الجديد، كنا نجد ان محطة «ال بي سي» اللبنانية هي، الى جانب المستقبل، المحطتين الوحيدتين اللتين تحققا أرباحا، حيث تعتمد المحطات الاخرى على التمويل الرسمي أو شبه الرسمي حتى ولو سجلت في السجلات الرسمية على أساس انها خاصة أو مخصخصة . وكان المتحمسون لما يسمى مجتمع المعلومات، كإفراز لمجتمع العولمة، يراهنون على التغيير المدهش الذي ستحدثه هذه الليبرالية المباشرة او المقنعة. وكنا بدورنا نحذر بخوف شديد من طبيعة التغيير الذي سيحصل. ومع انطلاق محطات كثيرة من تلك التي يسمونها قنوات التسلية وما حملته من ترد قيمي و ذوقي في تركيبة الرسالة المبثوثة وما يمكن ان تؤدي اليه بالتالي من ترد مشابه لدى الشريحة المتلقية . كان الباحثون الملتزمون والمنظرون الاقتصاديون يحذرون، بشكل عام، مما اسماه اينياسيو رامونيه: سادة العالم الجدد، اي الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسيات والتي لا تعرف ربا الا الربح المادي، خاصة وان طبيعتها العابرة للقارات وللاوطان تجعلها لا ترتبط بأي مجتمع محدد ولا بأي منظومة قيم محددة . وعند التعمق في البحث في ملكية عدة باقات من الفضائيات العربية، كنا نحذر من ارتباط الجهات المالكة لهذه الباقات بهذه الشركات العابرة، وعلى الأخص بشركتين معروفتين في مجال الاعلام : مجموعة سيلفيو برلسكوني، ومجموعة روبرت مردوخ، خاصة بما يعرف عن هاتين المجموعتين من عداء للعرب ولثقافتهم وقيمهم، بل واحتقار لهم، هذا عدا عن التزام مجموعة مردوخ بالمؤسسات الصهيونية وتوظيف امكانياتها الاعلامية لخدمة إستراتيجياتها. واليوم يخرج الى العلن، وفي الصحافة نفسها، انباء التفاوض الدائر بين مؤسسة روبرت مردوخ ومجموعة روتانا لشراء 20 بالمائة على الأقل من اسهم روتانا اضافة الى نسبة لم يعلن عنها بعد من اسهم ال«بي بي سي» الفضائية . واذا عدنا بضع سنوات الى الوراء وتابعنا التنقل السريع من يد الى يد، الذي شهدته أسهم ال«بي بي سي»، الى ان اشترى المستثمر السعودي المعروف صالح كامل نسبة منها، ومن ثم اشترى الامير الوليد بن طلال جزءا آخر، ثم اشترى أسهم صالح كامل ليمتلك نتيجة ذلك 49% من أسهم الشركة مما يجعله صاحب القرار الاساس، واليوم يساوم الوليد على بيع هذه الاسهم لمجموعة مردوخ. علما بأن شراكته مع مردوخ تعود الى ما قبل انخراطه في الاستثمار التلفزيوني . وبما ان مقتضيات الخصخصة لا تستطيع ان يمنع أحد أحدا من البيع لأي أحد، فاننا سنرى غدا الامبراطورية الاعلامية الصهيونية المردوخية تسيطر على جزء مهم من الاعلام الفضائي العربي، وما تلك الا البداية وقد يكون المخفي أعظم. فهل سيجعلنا الغد نترحم على ايام الاعلام الحكومي ؟ وهل سيسمح لنا ذلك بطرح اسئلة اكثر تشكيكا حول نمو الفضائيات كالفطريات من انبثاق النظام العالمي الجديد؟ أيّ سؤال صعب بين الحاجة للحرية والحاجة للبقاء !