يدخل الرئيس بن علي الانتخابات الرئاسية القادمة مرشحا للاجماع الوطني إذ علاوة على ترشيحه من حزبه التجمّع الدستوري الديمقراطي، تسانده ثلاثة أحزاب معارضة وكل المنظمات الوطنية وأغلب مكوّنات المجتمع المدني. ويبدو اختيار بن علي لمواصلة المسيرة مفهوما للنخبة وللمجتمع المدني، وهو يترجم حرصا على تثمين المكاسب المحققة على مدى عقدين ونيف من الزمن ورغبة في رفع التحديات المطروحة والتي لا تنتهي مهما ارتفع البناء وتضخّم المنجز. ولا يخفى عن أحد أن المساندة وكسب الرهانات لا تتحقق فقط بتعداد وابراز المكاسب، فتلك مهمّة وكالات التقييم والرصد، التي اعترفت بالتجربة التنموية وبالمشروع المجتمعي الذي أرساه التغيير واعتبرته الأبرز في محيطه، وهو ما يعني ان المطلوب اليوم هو مضاعفة الجهود والانخراط بكل قوّة في تجسيم الخيارات الوطنية الوفاقية، التي تستند الى رؤية استشرافية وقرارات استباقية لم تنتظر التحديات والأزمات، وهو ما أعطى حصانة لاقتصادنا وحماية لأغلب قطاعاتنا الانتاجية. إن ما تحقق كبير فعلا، لكن الرهانات اكبر والتحديات أعظم، والتجربة التنموية وإن ارتفع سقفها، فإن بناءها لم يكتمل، ويبقى دوما في حاجة الى التدعيم والاضافات، وتلك مسؤولية جماعية تجاه تونس أوّلا. وقديكون من أولويات هذه المسؤولية مضاعفة المجهود وتجويد العمل وتحسين الانتاجية ونبذ عقلية التواكل وتقسيط الجهد وتحسين المردودية ومحاولة استنباط الافكار والوسائل الفردية والجماعية التي تحقق هذه الأهداف. إننا في تونس محرومون من الموارد الطبيعية المتوفّرة في بلدان عديدة، لكننا نتمتع بكفاءات وقدرات بشرية عالية التكوين، هي بترولنا وذهبنا، وهي ثمرة الاستثمار في المعرفة وتكوين العقول، وهي الضامنة لتواصل نمائنا الاقتصادي والاجتماعي، متى قامت بواجبها كاملا، وآمنت بأننا نمتلك مستقبلنا ومصيرنا ونشترك جميعا، مهما اختلفت انتماءاتنا ومواقفنا، فيها، وبالتالي فإن توافقنا وتضامننا أضحى أمرا محتوما لكنه لا يرفض الاختلاف لأن فيه اثراء واضافة. إن الذين يرغبون في مواصلة مسيرة الاصلاح والنماء والخير مطالبون قبل غيرهم بتثمين ما تحقق والانطلاق منه للتفكير في ما لم يتحقق وما يمكن ان يتحقق على الأمدين القصير والمتوسط، سواء كان تأهيلا أو تطويرا لقطاعات أو دفعا لها او ايجاد حلول لقضايا شائكة أو عصيّة مثل تشغيل الشباب وأساسا أصحاب الشهائد العليا وأيضا بعث المؤسسات واستقطاب الاستثمارات الاجنبية وتثمين المناخ الملائم والموقع المناسب للوجهة التونسية، أو ايجاد حلول للاقتصاد في الطاقة أو تطوير الانتاجية والمردودية الفردية والجماعية ومزيد تقليص مؤشرات الفقر والأميّة والرفع من التنمية الجهوية وغيرها من المشاكل.