قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    يوميات المقاومة...تخوض اشتباكات ضارية بعد 200 يوم من الحرب ..المقاومة تواصل التصدي    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار الترجي الرياضي ...مخاوف من التحكيم وحذر من الانذارات    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    قرار قضائي بتجميد أموال شركة بيكيه لهذا السبب    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب الرئيس زين العابدين بن علي في افتتاح الحملة الإنتخابية الرئاسية والتشريعية
نشر في الإعلان يوم 13 - 10 - 2009

بسم الله الرحمان الرحيم أيها المواطنون، أيتها المواطنات، في ربوع تونس العزيزة وخارج أرض الوطن، على بركة الله نفتتح الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية، مجددين العهد الذي قطعناه مع شعبنا يوم أنقذنا البلاد في السابع من نوفمبر1987... عهد الوفاء لدماء الشهداء... عهد البذل والعطاء برا بالوطن، حتى تبقى تونس حرة منيعة ويظل شعبها كريما عزيزا بين الأمم
إن الانتخابات عنوان نضج وحضارة. وهي مظهر من مظاهر سيادة الشعب. وهي التعبير الراقي عن السلوك الديمقراطي وعن الوعي بواجبات المواطن وحقوقه.
وإذ نقبل يوم الأحد 25 أكتوبر على الاقتراع، فقد حرصنا على أن نوفر لهذه الانتخابات كل ضمانات الشفافية والنزاهة. وأتحنا لمن يرغب في متابعتها من البلدان الشقيقة والصديقة مواكبة سيرها. وبعثنا مرصدا وطنيا لمراقبة فعالياتها يضم شخصيات معروفة بكفاءتها ونزاهتها واستقلاليتها.
وهي مناسبة متجددة لترسيخ تعدد الترشحات لرئاسة الجمهورية وتعدد الألوان السياسية في قائمات المترشحين لمجلس النواب. وسيبرهن التونسيون والتونسيات مرة أخرى عن أهليتهم لحياة سياسية راقية وعلى تمسكهم بالتعامل الحضاري في كنف احترام القانون وقيم الديمقراطية.
وأتوجه بخالص الشكر إلى كل الذين ساندوا ترشحي، من المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، ومن المواطنين والمواطنات من كل الفئات والجهات ومن الخارج، وفي مقدمتهم مناضلو التجمع الدستوري الديمقراطي ومناضلاته، هذا الحزب العريق المجيد، حزب الكفاح والتحرير والبناء والتغيير.
إنه الحزب الذي ائتمناه على مسيرة بلادنا، حزب كل التونسيين والتونسيات من كل الأجيال والجهات، الذي نعتز برئاسته ونعتبرها شرفا ومسؤولية تاريخية.
ونحن واثقون بأن التجمع الدستوري الديمقراطي سيكون مثلما عهدناه دوما، في الموعد مع طموحات شعبنا وتطلعاته. كما أننا واثقون بالقوى الحية التي ساندتنا وانخرطت في توجهاتنا، واثقون بأنها ستكون خير سند لنا لرفع التحديات، وتحقيق الطموحات.
إننا معتزون بهذه الثقة، مدركون لجسامة المسؤولية، ونحن عازمون على مزيد العمل والبذل حتى نضيف الإنجازات ونثري المكاسب التي تحققت لتونس على مدى أكثر من عشريتين من الإصلاح والتطوير والتحديث.
لقد تقدمت بلادنا منذ التغيير، خطوات غير مسبوقة على درب البناء الديمقراطي التعددي وتعزيز مؤسسات الجمهورية وتثبيت دعائم دولة القانون وحماية حقوق الإنسان. كما تقدمت أشواطا كبرى على درب التنمية الشاملة، ارتقت بها إلى المراتب الأمامية ضمن الدول الصاعدة. فتعززت مصداقيتها في محيطها الخارجي ولدى مختلف المؤسسات الدولية والهياكل العالمية المختصة في التقويم والترقيم.
وحققنا الأهداف التي رسمناها في برنامجنا لتونس الغد سنة 2004، ومن بينها تجاوز معدل الدخل الفردي خمسة آلاف دينار سنويا بعد أن كان في مستوى 3.500 دينار منذ خمس سنوات.
وعملنا على الارتقاء بنوعية حياة المواطن وجودتها في المدن والأرياف وفي كل المواقع، ليناهز أمل الحياة عند الولادة اليوم 75 عاما بعد أن كان 67 عاما فقط في بداية التغيير. أي بتطور يعتبر من أرفع المستويات في العالم، يقارب العامين في كل خماسية.
وتضاعف حجم التحويلات الاجتماعية أكثر من ست مرات من سنة 1987 إلى اليوم، لتبلغ جملة النفقات والتحويلات الاجتماعية نسبة 61 % من ميزانية الدولة.
وانخفضت نسبة الفقر إلى ما دون 4 % . وتدعمت الطبقة الوسطى التي نعتبرها عامل قوة في توازن مجتمعنا وتماسك نسيجه. وبلغت مؤشرات ظروف العيش مستويات رفيعة.
إنّ هذه المكاسب مصدر اعتزاز لكل تونسي وتونسية. وهي تلقى كبير التقدير والتنويه في المحافل الدولية، وهو ما يعكسه المؤشر الإجمالي للتنمية البشرية الذي تعتمده الأمم المتحدة، والذي يجمع مختلف العناصر المتعلقة بالصحة والتعليم والتحصيل المعرفي والدخل وجودة العيش.
لقد حرصنا منذ التغيير على الدعم المتواصل لسياساتنا وبرامجنا الوطنية في هذا المجال، مما أهّل تونس لأن ترتب اليوم كأفضل بلد في العالم من حيث تطور مؤشر التنمية البشرية منذ سنة 2000. وهو ما يبوئها لتحقيق أهداف ألفية الأمم المتحدة للتنمية.
إن تلك النتائج هي ثمار استراتيجية تنموية شاملة، أولينا فيها مبادئ التلازم بين البعدين الاجتماعي والاقتصادي والتوازن بين الجهات والتضامن بين الفئات مكانة جوهرية. وتمكنا بفضل هذه السياسة من المحافظة على التوازنات العامة للاقتصاد الوطني، بالتحكم في عجز ميزانية الدولة والعجز الجاري، وفي نسبة التداين وخدمة الدين التي لم تتجاوز 7,8 % سنة 2008.
وحرصنا على تنويع القاعدة الاقتصادية للتنمية، وقطعت تونس أشواطا مهمة في اتجاه الانفتاح على المحيط الاقتصادي الخارجي.
وتواصلت مسيرتنا بتكريس الأهداف التي رسمناها لبناء مجتمع المعرفة، والتقدم بالبحث العلمي والتجديد التكنولوجي، وتطوير المنظومة التربوية والتكوينية، للارتقاء بقدرات مواردنا البشرية وبلوغ مستوى البلدان المتقدمة في هذه المجالات.
وتمثل المرأة في تونس اليوم قرابة 26 % من مجموع المشتغلين و23,5 % من الخطط الوظيفية، و22,8 % من أعضاء مجلس النواب و27,7 % من أعضاء المجالس البلدية، بالإضافة إلى قرابة 18 ألف سيدة أعمال.
وليس من باب الصدفة أن يكون نصيب المرأة من حصيلة سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية بذلك التميز. فقد تمكنا من تحقيق تلك النتائج والمكاسب بفضل اعتمادنا مقاربة إصلاحية شاملة أولينا فيها مكانة أساسية لتطوير حقوق المرأة وتوسيع مجالاتها.
إن وضع المرأة في بلادنا يعتبر نموذجا فريدا في منطقتنا، ونحن نفتخر به بقدر ما نعتز بالمرأة التونسية وبنضجها ووعيها بالرهانات ومثابرتها على العمل والمشاركة الفعالة في مسيرة البلاد نحو المستقبل.
واعتقادنا راسخ بأن تلك المسيرة لا يمكن أن يكتب لها النجاح بدون المرأة، لذلك فإن من بين الأهداف الكبرى للمرحلة القادمة مزيد دعم حضور المرأة في مواقع القرار لتبلغ نسبة 35 % على الأقل عوضا عن 30 % حاليا، وسنتيح أمامها فرصا أوفر وآفاقا أوسع في مختلف الميادين.
إننا معتزون بشبابنا الذين يحققون كل يوم مزيد التفوق والتألق، سواء في الميادين التعليمية والعلمية، أو في الميادين الرياضية ومختلف مجالات الابتكار والإبداع، أو من خلال المشاركة في الحياة العامة وفي المسيرة التنموية لبلادنا.
إن الشباب هو مفتاح النجاح والضمان لتحقيق طموحات شعبنا في مزيد الرفعة والتقدم. وهو ما يدعونا إلى بذل مزيد الجهود وتنويع البرامج والسياسات والإجراءات من أجل رفع تحدي التشغيل، وكسب رهان توظيف هذه القدرات الوطنية الناشئة التوظيف الأمثل، لما فيه ازدهار تونس ورفاه شعبها.
ولن ندخر جهدا لمزيد الارتقاء بأوضاع شبابنا إلى الأفضل في كل المجالات، حريصين دوما على أن نجذر في نفوسهم القيم الوطنية وحب تونس والتضحية من أجلها والولاء لها وحدها، مع إشاعة الحس المدني وثقافة التطوع لديهم، وتشجيعهم على الاهتمام بالشأن العام، والعمل على وقايتهم من مخاطر السلوك المخل بالأخلاق ومن الانزلاق في متاهات التطرف والتعصب أو الاستيلاب الثقافي، والسعي دوما إلى تنشئتهم على قيم التفتح والتسامح والحوار.
وسنعمل على تكريس الحوار الدائم مع الشباب على المستويين الوطني والجهوي، وعلى مواصلة الإصغاء إلى مشاغلهم ورصد اهتماماتهم واستجلاء تطلعاتهم باستمرار، وتوسيع مشاركتهم في الهياكل الجهوية والمحلية، علاوة على ما سنخصهم به من إجراءات ومبادرات في مجالات التشغيل والتشجيع على المبادرة والاستثمار، وفي ميادين التربية والتكوين والرياضة والثقافة والترفيه.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن الانتخابات فرصة دورية في كل نظام ديمقراطي لطرح رؤى الأحزاب وبرامج مرشحيها، حتى يكون الناخب على بينة من اختياره، ويكون التنافس على أساس استراتيجيات وخطط ، ينخرط فيها الرأي العام بقدر جديتها وبقدر ما تستجيب لطموحاته وتطلعاته.
واليوم فإننا نتقدم إلى شعبنا ببرنامج جديد اخترنا له شعارا « معا لرفع التحديات « ، برنامج للسنوات الخمس القادمة (20092014)، ويمهد في الآن نفسه للمراحل التي ستليه والتي تمتد إلى أواخر العشرية القادمة وما بعدها.
إنه برنامج وضعناه في ضوء ما تحقق من مكاسب وإنجازات، وفي ضوء واقع البلاد وإمكانياتها، ورسمنا آفاقه في ضوء الأوضاع العالمية الراهنة والتحديات القادمة، برنامج أهدافه الكبرى مزيد الرفاه والازدهار لشعبنا وبلوغ مصاف الدول المتقدمة.
إنه برنامج بأربعة وعشرين محورا سنعمل على إنجازها في الآجال المرسومة لها مثلما أنجزنا معا برامجنا الانتخابية السابقة وآخرها برنامجنا لتونس الغد (20042009).
لقد توفقنا إلى ذلك بفضل ثقة التونسيين والتونسيات بمشروعنا وإجماعهم على خياراتنا، وانخراطهم في توجهاتنا وإقبالهم على العمل والبذل والاجتهاد، وإيمانهم بقدراتنا الوطنية وتفاؤلهم بالمستقبل.
وها نحن نقبل بنفس الثقة والإيمان والتفاؤل على المرحلة الجديدة، مقدرين الصعوبات الناجمة عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، واعين بما أفرزته من أوضاع ومعطيات غير مسبوقة، مقدمين على تخطي آثارها مثلما تمكنا من مواجهة الصعوبات التي اعترضت بلادنا في الفترات السابقة، سواء في مستوى تطورات الأوضاع العالمية أو في مستوى أسعار المحروقات والمواد الأساسية، أو بسبب التغيرات المناخية وما نجم عنها من تقلبات من فترة إلى أخرى.
وإن تونس باقتصادها المتفتح على الخارج، لم تبق بمنأى عن انعكاسات الأزمة المالية العالمية. ولئن تمكنت منظومتنا المالية الوطنية من الصمود في وجهها بفضل سياستنا المالية الحذرة، فإن ارتباط بعض المؤسسات المصدرة بالقطاعات الأكثر تأثرا بالأزمة في الخارج وفي أوروبا خاصة، أثّر في طاقة التشغيل لتلك المؤسسات، كما أثّر في وتيرة النمو الاقتصادي لهذا العام.
لكن تعاملنا السريع مع هذه الأوضاع والإجراءات التي اتخذناها، مكنت بلادنا من الحد من آثارها ومواصلة الاستثمار والتشغيل، ممّا دعّم مصداقيتها وسمعتها كوجهة جذابة للاستثمارات الأجنبية التي دخل العديد منها في طور الإنجاز خلال المدة الأخيرة.
واليوم وقد بدأت بوادر الخروج من الأزمة تظهر في بعض الدول الصناعية المتقدمة ، فإن لنا ثقة بقدرة بلادنا على استعادة أرفع نسب النمو مع بداية الفترة الجديدة، ومواصلة الإنجاز والبناء لتحقيق أهدافنا الوطنية الكبرى.
إننا رسمنا للمرحلة القادمة أهدافا نوعية جديدة تكرس رؤيتنا لأولويات المستقبل في مجالات سيكون لها شأن كبير في تحديد نماء الدول وتقدمها، مثل الاقتصاد البيئي، والعلوم والتقنيات المستحدثة، والبحث العلمي والمنظومات الجديدة للعمل والإنتاج والخدمات ذات القيمة المضافة العالية، علاوة على مجالات حيوية أخرى لها قيمة بالغة بالنسبة إلى الأجيال القادمة، كالطاقات البديلة والمتجددة، وقضايا المياه والتحكم في تقنيات تحليتها...
ففي هذه الأهداف النوعية تكمن أهم التحديات القادمة، ومن أجل رفعها سنعمل ونثابر، وبعزمنا وإصرارنا سنكسب الرهانات.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن المسار الديمقراطي في بلادنا يتقدم بثبات، وهو مسار لا رجعة فيه. معا كرسنا الوفاق الوطني في ظل احترام حق الاختلاف وقيمنا المشتركة، والولاء لتونس وحدها دون سواها ووضع مصلحتها العليا فوق كل اعتبار. وجعلنا من الاستشارة ومبدإ المشاركة رافدين من روافد الحكم، وستكون الفترة القادمة مرحلة دعم أكبر من الدولة للأحزاب السياسية ولصحافتها وصحافة الرأي بصورة عامة.
كما سنعمل على مزيد ترسيخ مقومات الديمقراطية المحلية، وتوسيع مجالات الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني.
وسنتيح في هذا السياق مجالا أوسع للشباب يشارك من خلاله في هذه الحركية وينخرط فيها، وذلك بإحداث برلمان للشباب يكون مؤسسة استشارية تسهم في غرس روح المواطنة لدى شبابنا وفي تشريكهم في الشأن العام والحياة السياسية.
ولما كان الإعلام الحر التعددي مقوما أساسيا من مقومات الحكم الرشيد فقد حرصنا على تطوير الإعلام والنهوض بأوضاع العاملين فيه وتيسير وصولهم إلى مصادر الخبر، والارتقاء بأدائهم في ظل الثورة الاتصالية الهائلة، وفي إطار الشفافية والوضوح واحترام أخلاقيات المهنة.
وسنعمل خلال الفترة القادمة على بذل مزيد الجهود لتطوير أداء الإعلام وتنويعه، حتى يعبّر بصدق عن مشاغل المجموعة الوطنية ويكون مرآة تعكس التعددية الفكرية والسياسية، وحتى يتطرق إلى المواضيع بأكثر جرأة، إذ أنه لا وجود في تونس لمحظورات فيما يتناوله الإعلام من قضايا وملفات إلا ما يتنافى مع ضوابط القانون وأخلاقيات المهنة.
وفي هذا الإطار سنوسع صلاحيات المجلس الأعلى للاتصال ونطور مشمولاته، كما سنواصل دعم المهن الصحافية وتحسين أوضاع الصحافيين.
وإدراكا منا لأهمية دور الإدارة في ترسيخ الحكم الرشيد، فإننا سنعمل على تعزيز مقومات الشفافية فيها، ومزيد تطوير العلاقة بينها وبين المواطن، من خلال استكمال برنامج الإدارة الإلكترونية، والرفع من نسبة الخدمات عن بعد، بما يقلص كلفتها ويرفع مستوى نجاعتها.
أما فيما يخص حقوق الإنسان فقد نزّلنا هذه الحقوق مكانة أساسية في مشروعنا الحضاري منذ التغيير. وعملنا على حمايتها ونشر ثقافتها وغرس مبادئها وقيمها في نص الدستور. كما حرصنا باستمرار على تطوير التشريعات والمؤسسات والهياكل المتصلة بها، ودعم المجتمع المدني الناشط في مجالاتها، لإيماننا بأن حقوق الإنسان شاملة ومتوازنة أو لا تكون.
وسنواصل التقدم بمنظومة حماية حقوق الإنسان خلال الفترة القادمة، إذ سنبادر بإحداث نظام جزائي خاص بصغار الشبان ما بين سن 18 و21 سنة، وتوحيد سن الرشد المدني، وإرساء آليات ملائمة لحماية الطفل ومراعاة وضعه الخاص خلال مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة أمام القضاء.
كما سندخل بعض التعديلات القانونية لتيسير التقاضي أمام المحاكم التونسية بالنسبة إلى التونسيين المقيمين بالخارج، إلى جانب إحداث مؤسسة «المصالح العائلي» في نزاعات الحالة الشخصية.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن المجتمع التونسي شهد خلال العشريتين الماضيتين تحولات كبرى، بفعل التطور الذي ميز بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ التغيير. وقد عملنا دوما على دعم مقومات التوازن والتماسك والتفاعل بين الفئات والجهات وعلى توفير الحماية الاجتماعية للفرد والأسرة، حتى يضطلع كل بدوره في المجتمع وبواجباته كمواطن مكتمل الحقوق.
وسنعمل خلال الخماسية القادمة على الاقتراب من التغطية الاجتماعية الكاملة لتبلغ نسبتها 98 % سنة 2014، مع مواصلة تعميمها حتى لا تبقى أي مهنة خارج نظام الضمان الاجتماعي.
كما سنوفر الحوافز والبرامج لبلوغ نسبة 90 % من العائلات التونسية المالكة لمسكن مقابل 80 % حاليا.
وسنركز عنايتنا على الإحاطة بالفئات الضعيفة لمواصلة التقليص من نسبة الفقر، وعلى تكثيف الإحاطة الاجتماعية حتى نبلغ بها نسبة أخصائي اجتماعي لكل 6 ألاف ساكن، إضافة إلى مزيد تطوير برامج الوقاية من الإعاقات والعناية بالفئات ذات الحاجات الخصوصية وإدماجهم في الحياة النشيطة.
ونحن نعول على مثابرة الجميع في مختلف الميادين والهياكل ذات العلاقة للارتقاء بمؤشر التنمية البشرية إلى مستوى البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة.
وسنعمل على تحقيق مستوى أفضل لمعدل الدخل الفردي يصل إلى نسبة 40 % أي ليبلغ 7 آلاف دينار سنة 2014.
كما سنواصل العمل بسياسة الحوار الاجتماعي التي اعتمدناها منذ بداية التغيير، وسنحرص على الرفع المتواصل للأجور، في إطار مراعاة القدرة التنافسية لاقتصادنا وفي كنف التعاون والوفاق مع جميع الأطراف الاجتماعيين والمراهنة على وعيهم بالواقع الوطني والدولي والمحافظة على مصالح بلادنا العليا.
وسندعم هذه التوجهات بتطوير آليات حماية المستهلك، من خلال منح صلاحيات أكبر لمجلس المنافسة، ودور أهم للمعهد الوطني للاستهلاك، وتوفير حماية أنجع للمستهلك في مجال الخدمات، إلى جانب إحداث نظام عصري متكامل للإنذار المبكر فيما يخص المنتوجات الغذائية.
وإذ نعتبر الأسرة بمختلف مكوناتها المقوم الأساسي للاستقرار والتوازن في المجتمع، فسنأذن بدراسة استشرافية للتحولات الاجتماعية للتعرف على ملامح أسرة الغد، وذلك قصد إحكام التفاعل مع التحولات المرتقبة بما يحافظ على سلامة نسيجنا الاجتماعي، ويصون تماسك الأسرة التونسية ومقومات هويتنا الحضارية.
وإذ نعتبر الصحة حقا أساسيا ومقوما فاعلا لجودة الحياة، فسنعمل على إرساء منظومة صحية متكاملة وبلوغ أداء أرفع للمؤسسات الاستشفائية والصحية، وعلى تطوير آليات اليقظة الصحية، وإرساء القدرات الكفيلة بمواجهة مخاطر الأمراض الجديدة والأوبئة المستجدة. وسنسعى إلى تحقيق نسبة أرفع للمردودية الاقتصادية للقطاع الصحي.
ويستأثر التونسيون بالخارج كالعادة بمكانة متميزة في برنامجنا الانتخابي، إذ سنعمل على تطوير قنوات التواصل معهم وتحديث المنظومة المعتمدة لإدارة شؤونهم ، بما يأخذ في الاعتبار التحولات الديمغرافية والثقافية التي طرأت على تركيبة جاليتنا بالخارج.
وفي هذا الاتجاه سنقر برنامجا لإحداث شبكة من المراكز الثقافية في أهم العواصم بالخارج، تحت تسمية «دار تونس» للتعريف بصورة بلادنا المشرقة وبتراثها وإبداعات أبنائها وبناتها، تكون حلقة وصل فكرية وفنية مع أبناء وطننا في بلدان إقامتهم ومع أصدقاء تونس ومبدعينا وكفاءاتنا بالخارج.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن التشغيل يبقى أوكد تحديات المرحلة وهو يكتسي الأولوية المطلقة في اهتماماتنا. وقد خصصناه بمنزلة مهمة في برنامجنا، حيث شملناه بعشرين قرارا، إلى جانب الإجراءات غير المباشرة التي تيسر إحداثات الشغل وبعث المؤسسات، والتشجيع على الاستثمار والمبادرة، وتحديث سياسة التكوين والإدماج المهني.
وسيكون شعارنا في الخماسية المقبلة أن لا أسرة تونسية دون شغل أو مورد رزق لأحد أفرادها على الأقل قبل موفى 2014.
وسنعمل على تغطية الطلبات الإضافية للسنوات الخمس القادمة بإحداث 425 ألف موطن شغل بما يقلص نسبة البطالة بنقطة ونصف مع نهاية الفترة.
وسنكثف برامج التأهيل المهني والإدماج حتى تنزل مدة الانتظار من تاريخ التخرج إلى الحصول على شغل أو تكوين تأهيلي أو تربص، إلى أقل من سنتين مع موفى سنة 2014.
وسيكون لقطاعات الخدمة المدنية والاقتصاد التضامني ومهن الجوار المعروفة والمستحدثة دور نشيط في تحقيق هذه الأهداف.
وسنضع إطارا قانونيا جديدا يؤسس لصنف مستحدث من باعثي المشاريع الصغرى، تحت تسمية « الباعث الذاتي « يعتمد إجراءات في غاية البساطة واليسر في مجالي الجباية والمساهمات في الضمان الاجتماعي.

وسندعم ذلك بالترفيع بنسبة 50 % في سقف قروض البنك التونسي للتضامن وتطوير القروض الصغرى الممنوحة من قبل الجمعيات التنموية. ونحن نعول على تظافر جهود الجميع لتفعيل هذه الإجراءات والمبادرات حتى نحقق أهدافنا ونوسع أبواب الأمل أمام كل أصناف شبابنا المقبلين على الحياة العملية، في مختلف الميادين والاختصاصات، ومن كل المستويات التعليمية والتكوينية. ولا شك أن مثل هذه الأهداف الطموحة تستدعي نقلة نوعية كبرى في مقاربتنا للتنمية والاستثمار، ترفع تحدي بناء الاقتصاد الجديد، وتؤهل بلادنا إلى الارتقاء إلى مصاف الدول المتقدمة في أقرب الآجال. لذلك سنقوم بمراجعة جذرية لمقاربتنا في مجال التشجيع على الاستثمار وإحداث المؤسسات، قصد إيجاد التكامل والتلازم بين ثلاثة عناصر أساسية : أولها تعزيز توجهاتنا الحالية التي تحفز إلى الاستثمار في جهات التنمية الداخلية. وثانيها التشجيع على الإقبال على القطاعات الواعدة ذات المحتوى المعرفي والتكنولوجي العالي والصديقة للبيئة، مهما كانت الجهة المستثمر فيها. وثالثها توجيه المؤسسات القائمة إلى تطوير منظوماتها الإنتاجية والخدماتية بالاستثمار في المحتويات المعرفية وفي أحدث التكنولوجيات التي تدعم مردوديتها وتنافسيتها، مع التشجيع على الجمع بين هذه العناصر الثلاثة. وهو ما سيمكن من مزيد التركيز على تحسين مستوى الإنتاجية حتى تسهم كما رسمناه لها في برنامجنا، بنسبة 50 % على الأقل في نمو الناتج المحلي الإجمالي. وسنواصل تطوير مناخ الأعمال وتبسيط إجراءات التجارة الخارجية بما يمكن من انتهاج هيكلة قطاعية وجغرافية للتصدير أكثر توازنا وأقوى نجاعة. وسندعم توجهنا نحو استكمال تحرير التجارة الخارجية من خلال تحقيق مزيد التوافق مع مستوى التعريفات العالمية، سواء في نسبها أو في عددها، علاوة على مواصلة تحرير الاستثمار الخارجي في عديد المجالات. وسنخص الصناعات التقليدية والحرف الفنية بقطب تجاري حديث مفتوح للابتكار والإبداع، وتثمين الثروة الثقافية الوطنية عبر إحداث " مدينة الصناعات التقليدية والحرف الفنية " ، إلى جانب تعميم القرى الحرفية للصناعات التقليدية بكامل ولايات الجمهورية، وتخصيص فضاء لكل منتوج تقليدي تتميز به جهة أو منطقة.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن من مقومات بناء الاقتصاد الجديد، أن يكون رفيع المحتوى التكنولوجي مجددا مقتصدا للطاقة وصديقا للبيئة. وإننا نريد في هذا المجال، أن تكون مؤسساتنا الاقتصادية قادرة على التجديد، متفتحة على الابتكار، معتمدة على أنماط الإنتاج النظيفة التي تسهم في الحفاظ على سلامة المحيط وتحترم المعايير البيئية وتقتصد في استهلاك الطاقة وتستخدم الطاقات البديلة والمتجددة. لذلك سنعمل على الرفع من الاعتمادات المرصودة للبحث العلمي في مجالات التطوير والتجديد التكنولوجي للاقتراب من نسبة الثلث من جملة الاعتمادات. وسنستحث مؤسساتنا الكبرى في الفترة القادمة على بلوغ نسبة 1 % من رقم معاملاتها لتمويل البحث والتطوير، وعلى بذل المزيد من الجهود حتى تكون لنا 700 مؤسسة إضافية على الأقل، حاصلة على الشهادات المطابقة للمواصفات العالمية في أفق 2014.
كما سندعم آليات المرافقة بالنسبة إلى الباعثين الجدد في محاضن المؤسسات ومراكز الأعمال بإحداث سلك مهني جديد هو «سلك مرافقي باعثي المشاريع».
وإذ يحتل قطاع الطاقة مكانة استراتيجية في خططنا التنموية، فسنحرص على تحقيق أمننا في هذا القطاع، وذلك بمزيد إحكام استغلال مواردنا الوطنية وفي مقدمتها الغاز الطبيعي، والبلوغ بعدد المرتبطين بالشبكة إلى 800 ألف مرتبط سنة 2014 مقابل 530 ألف حاليا، ومد 1. 400 كيلومتر إضافية من أنابيب نقل الغاز، وتزويد 75 مدينة أخرى بشبكة الغاز الطبيعي مع موفى 2014. وسنواصل العمل على ترشيد استهلاك الطاقة وتطوير الطاقات البديلة والمتجددة باعتبارها الخيار الإستراتيجي للعشريتين القادمتين، ومضاعفة نسبتها من الاستهلاك الإجمالي للطاقة خمس مرات قبل موفى سنة 2014.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إننا نسعى إلى أن تصبح بلادنا قطبا للخدمات المصرفية وساحة مالية إقليمية. لذلك سنعمل على بلوغ مستوى أرفع في جودة الخدمات البنكية وتنمية الأنشطة المصرفية وتنويعها وتحسين الخدمات البنكية عن بعد. كما سنشجع على استقطاب مؤسسات بنكية ذات صيت عالمي، من خلال تطوير النشاط المصرفي غير المقيم. وسنحفز في الآن نفسه البنوك التونسية إلى الحضور في الساحة الخارجية وإنشاء أقطاب مصرفية فاعلة على الساحة الوطنية.
ونحن نأمل أن تبلغ مساهمة الخدمات المصرفية في الناتج الداخلي الخام نسبة 5 % مع موفى سنة 2014. وإذ قطعت بلادنا أشواطا مهمة نحو تحرير الدينار واكتسب الاقتصاد الوطني قدرات أكبر للتفاعل مع الأوضاع الخارجية فإننا سنعمل على تحقيق التحرير الكامل للدينار قبل موفى سنة 2014، وعلى مراجعة مجلة الصرف حتى تواكب هذا التطور. أما في مجال السياسة المالية والجباية، فسنواصل خلال الفترة القادمة تخفيض المعاليم الديوانية والحد من النسب المعمول بها. وتبعا لذلك، ستتم مراجعة المنظومة الجبائية في ضوء التطورات الحاصلة في العالم سواء مع البلدان الشريكة أو المنافسة لنا وذلك بالتقليص في العبء الجبائي على المؤسسة المنتجة بعنوان أرباحها أو بعنوان بعض عناصر كلفتها مع اتخاذ إجراءات موازية في مستوى المنظومة الجبائية للحفاظ على التوازنات المالية للدولة. كما ستتم مراجعة استرجاع فائض الآداء على القيمة المضافة وإجراءاته بغاية توضيحها وتبسيطها وتسريع نسق معالجة الملفات. وسنعتمد نظاما جبائيا خاصا بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة يقوم على مراجعة النظام التقديري وتعميم الطرح الجبائي ب 20 % من قاعدة الضريبة بالنسبة إلى المؤسسات الصغرى التي تنخرط في مراكز التصرف المندمجة وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انخراطها. مع تمتيع المؤسسات الصغرى والمتوسطة من طرح نسبة من قاعدة الضريبة خلال السنوات الثلاث الأولى من النشاط وفقا لمقدار يتدرج من 75 % إلى 50 % ثم 25 % .
وسنعمل على تخفيف الضغط الجبائي على الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود، وذلك بالترفيع في السقف المعفى من الآداء، والترفيع في الطرح بعنوان الأطفال المعوقين وتكاليف الدراسة في مستوى التعليم العالي، مع طرح الفوائض بعنوان القروض المخصصة للسكن الاجتماعي من المداخيل الخاضعة للآداء.
وسنتيح إمكانية التصريح الجبائي عن بعد لجميع الأشخاص الطبيعيين قبل موفى سنة 2014 مع إحداث خطة "الموفق الجبائي" الذي يساعد على فض الإشكاليات المطروحة بخصوص التصريح بالآداء قبل مراحل التقاضي.
وسعيا منا إلى تهيئة أفضل الظروف للحركية الاقتصادية المنشودة من خلال برنامجنا لرفع التحديات، سنعمل على تطوير بنية أساسية واتصالية حديثة ذات مواصفات عالمية، بإقرار دراستين استراتيجيتين على المدى الطويل، تتعلق الأولى بوضع خريطة وطنية للبنية التحتية والتجهيزات الجماعية الكبرى، وتتعلق الثانية برسم شبكة من الطرقات السريعة تغطي كل الجهات في أفق 2030.
وستتركز العشرية القادمة على بلوغ 1. 500 كيلومتر من الطرقات السريعة، ليتحقق الربط الكامل بين مختلف جهات البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. أما في مجال البنية الاتصالية فسنعمل على بلوغ مليون مشترك جديد في شبكة الانترنات ذات التدفق العالي، وعلى توفير فرصة رقمية أمام كل الأسر التونسية، وإرساء منظومة التلفزة الرقمية الأرضية قبل موفى 2014.
ولما كان النقل شريان الحركية الاقتصادية وعاملا تنمويا مهما، فإننا سنعمل على الترفيع في نسبة نمو هذا القطاع والارتقاء بمساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.
وسنعمل في نطاق استكمال تطوير قدرات النقل الجوي ورفع تنافسيته ومزيد تفعيل دوره في تعزيز قطاعات أساسية مثل السياحة والتصدير، على التحرير الكامل للأجواء خلال السنتين القادمتين. كما سنعمل على مضاعفة مساهمة أسطول النقل البحري في المبادلات التجارية الخارجية مع موفى سنة 2014، وعلى أن يكون للنقل الحديدي دور أكبر في نشاط الاقتصاد الوطني.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
لقد أصبح من الضروري لرفع تحديات المستقبل أن ندرج قطاع الفلاحة والتحولات المناخية ضمن رؤية استراتيجية نراعي من خلالها الأهداف الحيوية لبرامجنا التنموية ونحكم فيها توظيف كل مؤهلات بلادنا الطبيعية. لذلك سنقوم بدراسات استشرافية لقطاع المياه حتى أفق 2050، يتم إنجازها قبل موفى سنة 2014، وسنضع الخطة التي تمكننا من الارتقاء بنسبة تعبئة الموارد المائية إلى مستوى 95 % مع بداية النصف الثاني من العشرية القادمة.
وسنسعى إلى أن تكون الخماسية القادمة فترة تكامل بين البحث العلمي الفلاحي وقطاع الإنتاج، خدمة لأهدافنا الاستراتيجية وفي مقدمتها تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة القمح الصلب مع موفى تلك الخماسية.
وإذ أولينا لحماية البيئة مكانة متميزة في اختياراتنا، وسجلنا عديد الإنجازات والمكاسب بشأنها، فإننا سنعد خلال الفترة القادمة مقاربة حديثة للسياسات البيئية وحماية الثروات الطبيعية، تأخذ في الاعتبار التطور الحاصل في الوعي العالمي وفي بلادنا بالبعد المصيري لهذا القطاع بالنسبة إلى البشرية جمعاء وكذلك بالنسبة إلى مستقبل الحياة على كوكب الأرض. وتقوم هذه المقاربة على تحقيق الأمن البيئي من أجل التنمية المستدامة وجودة الحياة، وذلك بوضع خريطة متطورة للبيئة، تعتمد مفهوم الإقليم البيئي الذي يجمع بين مناطق تتشابه في الخصوصيات وتستدعي التدخلات نفسها، مع إحداث مرصد لكل إقليم بيئي ووضع خطة وبرامج خاصة به، واعتماد منظومات الجغرافيا الرقمية لاحتساب مؤشرات التنمية المستدامة. وسنحرص كما أشرنا سابقا، على أن تكون المؤسسات الاقتصادية التونسية صديقة للبيئة، وعلى أن نبلغ بالمؤسسات المتحصلة على شهادة المواصفات البيئية العالمية إلى 500 مؤسسة سنة 2014. وسنعزز هذه البرامج بإقرار إجبارية التشخيص البيئي بالنسبة إلى المؤسسات الصناعية الأكثر تلويثا، وتطوير التشريعات بإصدار "مجلة البيئة" مواكبة لما تم في هذا المجال منذ أن بادرنا بإصدار أول قانون إطاري لحماية البيئة بتونس سنة 1989 . وهي جهود ستكتمل بالسعي إلى تحقيق نجاعة أكبر في مقاومة الانجراف والتصحر والشروع في تجسيم البرنامج الوطني لحماية الشريط الساحلي من الانجراف البحري وترفيع القدرات الوطنية في التصدي للكوارث الطبيعية والحد من تبعاتها.
وتحظى التنمية الجهوية بمكانة مركزية في برنامجنا للخماسية القادمة، إذ سنعمل على إحكام إدماج مختلف جهات البلاد وتعزيز تكاملها، عبر بنية أساسية من الطرقات المتطورة، ووصلات عديدة تربط بين شرق البلاد وغربها ووسطها وشمالها وجنوبها، لتصبح تونس بلدا مندمج الجهات وفضاء تنمويا متواصلا ومتوازنا بالميزات نفسها.
وسنوسع صلاحيات الجهات، ونعزز دورها في استنباط المشاريع ذات الصبغة الجهوية وإعدادها وإنجازها وصيانتها، إضافة إلى دعم الموارد المالية الذاتية للمجالس الجهوية، ووضع منظومة تمويلية محلية، وتزويد الإدارات والمصالح الجهوية بالكفاءات البشرية ذات المستوى العالي، وتكثيف الدراسات الاستراتيجية حول الطاقات الكامنة في كل جهة وسبل تثمينها. وسعيا منا إلى توفير أكثر ما يمكن من المقومات الذاتية للتطور والنمو لدى الجهات، سنفرد كل جهة بمنظومة تسويقية وبعلامة مميزة لإنتاجها، وسنعمل على دمج السياحة الثقافية والبيئية بها. كما سنضع جيلا جديدا من برامج التنمية الحضرية المتكاملة بالأحياء المتاخمة للمدن وخطة إضافية لتنمية المناطق الحدودية، وأخرى لتنمية الجهات الصحراوية. وسنحرص على استكمال إنجاز برامج التنمية المندمجة لفائدة 90 معتمدية ذات أولوية يقطنها مليونان و700 ألف ساكن.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن منظومتنا التربوية بكل مكوناتها، من الأدوات الحاسمة التي نعتمد عليها لرفع تحديات المستقبل وكسب رهاناته. وقد شملناها باستمرار بالإصلاح والتعهد والتطوير.
ولما كان التكوين سندا أساسيا للتشغيل وعاملا حاسما في الرفع من جدوى العمل ومردوديته، فسنقوم بعملية تأهيل شاملة لهذا القطاع، حتى يكون في خدمة طالبي الشغل والمؤسسات الاقتصادية، ويلبي حاجيات الجهات التنموية والاستثمارية. أما فيما يخص التعليم العالي، فسنركز الجهود في المرحلة القادمة على إرساء الجودة في كل المراحل والشعب، والارتقاء بمنظومتنا الجامعية إلى أفضل المقاييس العالمية. ولما كان البحث العلمي دعامة لبناء مجتمع الذكاء والمعرفة والاقتصاد الجديد، فسنرفع حصة البحث العلمي والتكنولوجيا من الناتج المحلي الإجمالي، من 1,25 % حاليا إلى 1,5 % سنة 2014، وسيتم إحداث ثلاثة أقطاب إقليمية للبحث العلمي والتجديد التكنولوجي موزعة بين الشمال والوسط والجنوب، كما سنوجه الجهود إلى تثمين نتائج البحث العلمي في مستوى التجديد وتطوير الإنتاج.
أما فيما يتعلق بالثقافة التي اعتبرناها سندا للتغيير، فسنعمل على أن تكون تونس منارة ثقافية على الدوام، وسنرفع مجددا في اعتمادات ميزانية الثقافة والمحافظة على التراث لتبلغ نسبة 5 , 1 % من ميزانية الدولة سنة 2014، مقابل % 1,25 سنة 2009، مع تخصيص نصف الزيادة للتنمية الثقافية ودفع الإبداع والإنتاج بالجهات.
كما سنميز الفترة القادمة بإقامة خماسية الثقافة (2009-2014) من خلال وضع برنامج سنوي لكل فن، سنة للمسرح، وسنة للموسيقى، وسنة للسينما، وسنة للكتاب وسنة للفنون التشكيلية، تكون كلها خير حافز إلى النشاط والإنتاج والترويج والتميز. وسنضع برنامجا شاملا للإنتاج الوثائقي ولاسيما منه الإنتاج السمعي البصري حتى نحفظ ما تزخر به بلادنا من تاريخ ثري وعريق، ومعالم حضارية أصيلة ومتنوعة، وشخصيات لامعة ومشعة في شتى الميادين، إضافة إلى ثروات طبيعية رائعة ومتميزة.
ولاشك أن انخراطنا في الحداثة، يتكامل مع تعلقنا بمقومات هويتنا الوطنية وتمسكنا بخصوصياتنا الحضارية، وفي مقدمتها ديننا الإسلامي الحنيف الذي نقيم بيوته ونرعاها بسائر جهات البلاد، ونحرص على أن تبقى تونس دائما منارة إسلامية مشعة بروح التفتح والوسطية والاعتدال التي تميزت بها المدارس الفقهية التونسية العريقة في القيروان وفي الزيتونة عبر العصور.
وسنواصل دعم الاجتهاد وتنظيم الندوات والمشاركة في كل اللقاءات التي تخدم الصورة المشرقة للإسلام في العالم وتكرس تعاليمه السمحة وروحه المعتدلة وقيمه الخالدة.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن تونس ستبقى مثلما كانت دائما منحازة إلى قضايا العدل والسلم في منطقتنا وفي العالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي نعتبرها قضيتنا الأولى، داعمين كل الجهود لإقامة السلام العادل والشامل في المنطقة.
كما سنحرص على مزيد توطيد أسس التعاون والشراكة في مختلف فضاءات انتمائنا الإقليمي، ولاسيما منها الاتحاد المغاربي الذي نعتبره خيارا مصيريا لشعوبنا، إضافة إلى تعزيز العمل العربي المشترك، وإحكام مجالات التشاور والتنسيق في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي. وسنواصل دعمنا لمسيرة الاتحاد الإفريقي التي حققت إلى حد الآن خطوات مشجعة. كما سنمضي قدما في تطوير شراكتنا مع الاتحاد الأوروبي، والمساهمة في الجهود الرامية إلى الاستفادة من الاندماج والتكامل داخل الفضاء المتوسطي.
وسنركز سعينا كذلك على دفع علاقات الصداقة مع دول القارتين الأمريكية والآسيوية، بالرفع في نسق التبادل التجاري وتعميق التعاون في مجالات الاستثمار والتكنولوجيات الحديثة. ونحن نساند كل المساعي الدولية الهادفة إلى تطوير المنتظم الأممي والرفع في نجاعة تدخلاته من أجل تكريس عادل ومتوازن للشرعية الدولية وترسيخ دائم وشامل للسلم والأمن في العالم.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إننا نقبل على مرحلة حاسمة في تاريخ تونس الحديث.
نقبل عليها بكل ثقة وتفاؤل، معتزين بمكاسبنا وإنجازاتنا معولين على شعبنا بكل فئاته وجهاته.
وإذ أجدد الشكر لكل من ساندنا، فإني على يقين بأن ما يحدونا جميعا من مثابرة على العمل والبذل، ومن تفان دائم في حب تونس والولاء لها وحدها دون سواها، سيكونان لنا خير حافز إلى بناء المستقبل الأفضل لشعبنا ولأجيالنا الصاعدة.
إننا من أجل تونس نجدد العهد، ونقبل على البذل والتضحية.
ومن أجل التونسيين والتونسيات كافة، وضعنا هذا البرنامج، وبهم جميعا نثق بالنجاح ونتفاءل بالمستقبل.
فلنكن معا على العهد لرفع التحديات وتحقيق الطموحات، وبالله التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.