كان أبو القاسم الشابي شعرا وشعورا، هالة ضوء ونور وضياء التمتع في سماء تونس وتلألأت لتجعل منها أغنية وأنشودة تتوجها وتجليها أبدا. فها هو هذا «الشعر / الشعور» الذي نحتفل به من خلال هذا المعرض في فضاءات يجللها الضياء، منقوشة بأنامل شباب عاشوا على وقع قصائد شاعر النور، يلتهب من جديد أصباغا وألوانا كما التهب بالأمس منذ خمسة وعشرين سنة في فضاءات فنانين تونسيينرواد. وبين الرواد والمريدين كون «جميل» بين طرفيه بيتا لأبي القاسم أثث بالشعور وللشعور فكان دنيا عواطف وشعور علت وتعالت و«شيدت على العطف العميق حتى لا تضل جامدة الجمال كئيبة كالهيكل المهجور». وكأننا بالفنانين الرواد والفنانين المريدين استناروا بصوت الشابي وبحثوا في أعماق شعورهم وعواطفهم عن دنيا عليا، أرض لا ترضى بالدنو وتسعى إلى السمو، أو هي تريد الحياة حية تسعي، حياة حادثة تحدث وتحدث بما أتى به شاعر الحياة في كلمه الدافق والمتدفق حداثة وجدّة، وتبحث هذه الحياة أو هذه الحيوات تجديدا في فضاءات «المادة / الشكل / اللون» عن رحابة الشعر والشعور، فإذا بهذه الفضاءات تصبح أمكنة تمكن من المنشود مخترقة الموجود ومتجاوزته ومتعالية عليه، أمكنة تحدث لتتحدث حديثا آخر يفتح أبواب الغيب وينبش في ذاكرة ملامح وجه معبر لا يزال يعيش معنا صورة في صحف ورثناها عن زمن مضى وكان بحث المريدين في تعبير وجه ذكرى الشابي وذكره مندمجا في تعابير كلمه الشعري ومنبجسا من رحم مادة اللون الباحثة عن الضياء ضياء الجمال الذي بحث الشعر عنه وفيه. وكان بحثا مضنيا يحاكي بحث الشابي عبر شعره وشعوره عن عوالم السحر في قصائد النور والحياة، هذه القصائد التي ثبتت صورا في الخيال ولا يزال هذا الخيال كالخيل يركض كالبراق في سماء الكون الرحب باحثا عن مقام. وكان المقام اليوم في أخيلة شبان تعاملوا مع قصائد الشابي بشعور مختلف عن شعور آبائهم الرواد باسطين أمكنة فضاءات ليست إلا اثارا «أثيرية» لمرور الخيال الخيل ذي الأجنحة البراقة مبشرين بعودته في أحوال ومقامات قادمة فإلى خيال جديد في ذكرى جديدة...