( 9نوفمبر 1877-21 أفريل 1938 ) منصف النّهدي في غَسَقِ اللّيلِ ينفلقُ الفجرُ وينبجسُ الضّياءْ وفي يابسِ العودِ يتهيّأ الزّهرُ ويسمقُ غصنُ الخصوبةِ والنّماءْ وفي دولةِ القهرِ تعتملُ الثّورةُ وتنشأُ الكبرياءْ لا تقنطُوا إذا ما الأرضُ عطشَى وإذا ما الشّحُّ أسلوبُ السّماءْ فإنّ القحطَ في شفةِ الحياةِ علامةُ القطرِ، شارةُ الإرتواءْ أليس النّقيضُ يدلُّ على النّقيضِ والجفافُ عنوانُ التّشوّقِ للمطرْ والشّفاءُ لا يكونُ بلا مريضْ والدّموعُ لا تكونُ بلا شفرْ كذلك البركانُ ساكنْ ينتظرُ الأذانَ لينفجرْ وكذلك الطّوفانُ كامنْ ينتظرُ القرارَ لينهمرْ للشّعر عين تبصرُ الأملَ خلف أقنعةِ القنوطْ وترى النّهوضَ حتمًا يلي التّداعِي إلى السّقوطْ للشّعرِ أيدٍ إذا تقطّعَ خيطُ الحياةِ تغزلُ للحياةِ من أصابعها الخيوطْ تحيطُ بنا الأحزانُ شتّى وتفتُّنا الآلامُ فتّا وما دام الشّعرُ شعرا لا نموتْ لا تضجروا، فالشّعرُ يلغيه الضّجرْ والوحيُ يكتمُه السّكوتْ للشّعرِ بعدٌ آخرُ فالشّعرُ بشرَى وشروطُه حين تنعدمُ الشّروطْ يبرعمُ كالغصنِ من رحمِ الشّتاءْ يذيب حبّاتِ الجليدِ يسمُقُ مثل النّخيلِ يعانقُ خدَّ السّماءْ ضُرِب الحصارُ ولا حصارَ يزيلُ الشّعرَ من السّياقْ فالشّعرُ أسلوبُ التّمرّدِ والشّعرُ مليون طريقةٍ للإنعتاقْ والشّعرُ في طعم الحياةِ هو المذاقْ والشّعرُ يرشف قُبَلَ اللّقاءِ في عذاباتِ الفراقْ و هو الوصولُ حين يحتدمُ السّباقُ وهو الطّريقُ وشارةُ الإنطلاقْ للشّعرِ أيدٍ تبذرُ الآمالَ حبّةً من بعد حبَّة للشّعرِ قلبٌ يجعلُ الحقد يعتنقُ المحبَّة للشّعرِ عمقٌ يصيرُ في غياب الحبّ غر بَة جاء منسوجا من الشّعورِ كما الظّفائرْ جاء فجئيّا مع البكورِ كما البشائرْ فلمّا أتعب المأساةَ سجّل التّاريخ: ذا إقبالُ ثائرْ عانقَ الأملَ المرابطَ في القلوبْ فلمّا نطقَ ردّدتِ الحناجرْ واهتزّ صوته في نداءاتِ الشّعوبْ من جاكرتا إلى البنجابْ ومن شِيرازَ إلى الجزائرْ لم ينثنِ حين ينعدمُ الرّفيقْ ولم يهادنْ كم سافر في المعانِي حتّى صار هو الطّريقْ والحروفُ هي المسافرْ ولمّا شبّ في قصائدِه الحريقْ ثار السّلاحُ على العساكرْ شعرٌ بلا وطنٍ يمتدح الغزاةْ وطنٌ بلا شعرٍ ينتظرُ المماةْ وشعرٌ بلا إقبال يفتقدُ االحياةْ قصيدُه مثل الرّذاذِ كانْ يطفيءُ ضمأ الصّنوبرِ ويروّي السّنديانْ قصيدُه الصّحراءُ حين يغمرُها الفراتْ كن فيلسوفا شاعرا أو لا تكنْ كن كما إقبالُ كانَ رسما للشّباب في تجاعيدِ الزّمنْ عاش من اليقينِ إلى اليقينْ ولمّا ماتْ كان اليقينُ له الكفنْ تهزُّني ذكراهُ هزَّا وأراهُ في يوم الكفاحِ رمزَا وأراه في ذلّ السّجونِ عزَّا وأراه في دمِّ الشّهيدِ وفي أطفالِ غزَّة لم يسكنِ الماضِي ولم يعشّش في تفاصيلِ الخرافَة ولم يسجّل إسمه في قائمة المورّدين "لأنوارِ الثّقافَة" ما موقفُ الشّعرِ إذا كان الفقيرُ يهتف للرّغيفِ والشّعرُ لا يشاركُه الهتافَ ما موقفُ الشّعرِ إذا كان الشّعبُ يرنُو للتّحرّرِ والشّعرُ يرنُو لأعمدة الصّحافَة فالشّعرُ إمّا يلتزمُ النّضالَ أو يسيرُ في مقاربةِ السّخافَة والشّعرُ يستوحِي الرّسالةَ أو يصيرُ النّفاقُ له غلافَا إقبالُ في نايِ الحياةِ نغْمَا وهو في رسْمِ الخلودِ رسْمَا وإذا تسمّى الشّعرُ إشتقّ من إقبالَ إسْمَا عاشقا كان ولمّا يرتشفِ القبلْ ويصلّي فيلتحمُ التّضرّعُ بالغزلْ فإذا القصيدُ كما الدّعاء وإذا الحروفُ من العسلْ شاهدا كان ولم يزلْ بأنّ النّورَ نورانِ: نورٌ من اللّهِ وهو في الكونِ الحقيقَة ونورٌ من الشّعرِ وهو في الوعيِ الطّريقَة وأنّ الفكر فكرانِ: فكرٌ للرّسالة ويُتّخذُ قضيّة وفكرٌ للعمالة ويُتّخذُ مطيّة وأنّ الشّعرَ شعرانِ: شعرٌ للرّداءةِ والمللْ، يمدح شيخَ القَبيلَة وشعرٌ للبراءةِ والأملْ ، ويضىءُ كما الفتيلَة.