بينت السيدة ليلى بن علي حرم رئيس الجمهورية رئيسة منظمة المرأة العربية ان الصلة الوثيقة بين نجاح مخططات التنمية وضمان استدامتها وبين الاستثمار الرشيد والمحكم لكافة الامكانات والطاقات البشرية من الاناث والذكور تتأكد يوما بعد يوم. وأوضحت السيدة ليلى بن علي في افتتاحية العدد الثاني من مجلة صوت المرأة العربية تحت عنوان «مشاركة المرأة العربية في عملية التنمية رهان حضاري» ان هذه الصلة اكتسبت مع تطور وتغير ملامح الاقتصاد العالمي المعولم بفعل انفجار الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الحديثة والرهان على اقتصاد المعرفة أهمية فائقة تعاظم فيها دور الموارد البشرية وتأكدت الحاجة الى تأهيلها وتمكينها باعتبارها الركيزة الاساسية لكل عملية تنموية. ولاحظت رئيسة منظمة المرأة العربية ان هذا التطور في ترتيب شروط التنمية وتحديد ركائزها وأهدافها افضى الى الوعي بحيوية دور المرأة وزيادة فاعليتها في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والكشف عن قدراتها التنافسية التي تمكنها من السيطرة على وضعها كنوع اجتماعي والمساهمة كمواطنة واعية ومبدعة في تنمية مجتمعها. وابرزت ما دأبت عليه المؤتمرات الدولية والاقليمية التي تقيمها المنظمات المعنية منذ تسعينات القرن الماضي من تأكيد هذه الافكار ونشرها ومطالبة الحكومات والمجتمع الدولي بصفة عامة بازالة العوائق التي تحد من تفعيل وزيادة مشاركة المرأة في العملية التنموية الشاملة بما من شأنه مواكبة التطورات العالمية ومواجهة التحديات الكبرى التي طرحتها على الدول المتقدمة والنامية والفقيرة على حد سواء. واضافت ان الدول العربية لم تكن بمنأى عن هذه التحولات في المفاهيم والرؤى وفي الوعي بضرورة الاستثمار في الثروة البشرية التي تمثل المرأة احدى ركائزها الاساسية مذكرة بما أولته الدول العربية للمرأة من أولوية كبرى في مخططاتها التنموية كموضوع للتنمية من حيث حاجتها الى التعليم والتدريب والتأهيل والتأمين الصحي والرعاية الاجتماعية وتمكينها من كافة حقوقها وكممثلة لنصف الثروة البشرية من ناحية وكذات حرة واعية ومساهمة في بناء النظام الاجتماعي والاقتصادي من ناحية أخرى. وابرزت حرم رئيس الجمهورية ما سجلته السنوات الماضية من ازدهار المنظمات والجمعيات العربية والاهلية التي اعتنت باطلاق طاقات المرأة والزج بها في الدورة الاقتصادية واعدادها الاعداد الشامل لذلك مشيرة الى تضاعف حضور المرأة العربية في سوق العمل خلال العقدين الاخيرين ودخولها مجالات كانت دوما حكرا على الرجل. وكتبت في هذا الصدد تقول إن المرأة «لم تعد محصورة في أدوارها ووظائفها التقليدية بل أيضا في الوظائف التي تعتقد أنها مناسبة لطبيعتها كامرأة كالتدريس والتمريض والعمل الاداري». وتابعت ان «دخول الفتاة العربية التعليم من أوسع أبوابه وارتفاع نسبة الخريجات الجامعيات وانخراط العديد منهن في اختصاصات علمية وتقنية دقيقة مكنها من التعامل مع مهن مستحدثة وجديدة بكل كفاءة واقتدار». ولاحظت السيدة ليلى بن علي ان القوى العاملة النسائية العربية وان اقتربت من نصف القوى العاملة الاجمالية الا انها تعاني من هدر وعدم استغلال لطاقاتها الانتاجية وتوظيفها بكل كفاءة حيث لم تتجاوز النسبة العامة للنشاط الاقتصادي في هذه القوى حسب العديد من الاحصائيات 9 بالمائة وتتراوح نسبة البطالة للمرأة العربية بين 20 و40 بالمائة. وتحدثت عن ابرز المعوقات التي تواجهها المرأة العربية لتفعيل دورها في الحياة الاقتصادية المتمثلة اساسا في الثقافة التقليدية الراسخة التي تحتاج الى تطوير والتي تعتبر أن الرجل هو العائل الرئيسي للاسرة وذلك بالرغم مما تثبته الدراسات من ارتفاع نسب النساء العربيات المعيلات لاسرهن. وأشارت في السياق ذاته الى النظرة التي اعتبرت انها «لم تمح بعد مع الاسف» والتي ترى أن المرأة العاملة تنتزع فرص العمل من الرجل مما يخلق تمييزا على مستوى النوع في التوظيف بالاضافة الى بعض التشريعات التي تحتاج الى مراجعة من أجل تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الاجر وفرص التدريب والتأهيل وتوفير ظروف العمل اللائق طبقا للمعايير الدولية في هذا المجال. وأكدت رئيسة منظمة المراة العربية انه لا يمكن التغافل عن الفجوة القائمة أحيانا بين ما تقره التشريعات من حقوق وواجبات وما تفتحه من افاق جديدة لعمل المرأة وتهيئة الظروف الملائمة لذلك وبين واقع صعب تنوء بأعبائه المرأة العاملة وتقبل بشروطه حفاظا على مورد رزقها. واضافت انه لا يمكن التغافل ايضا عن عدم ملاءمة بعض التشريعات العربية لاتفاقيات العمل الدولية والعربية وبالذات فصولها الخاصة بعمل المرأة مؤكدة انها «فجوة ثانية على الجميع ان يعمل على ردمها». وبعد ان اشارت الى أوضاع المرأة العربية العاملة المرتبطة بالظروف الاقتصادية للدول العربية التي تعاني من اثار التحولات العالمية والازمة المالية والاقتصادية التي يعيش العالم منذ سنتين على ايقاعها خلصت الى القول بأن «كل هذا يلقي بظلاله على أوضاع المرأة العربية العاملة وعلى موقعها في سوق العمل». وقدمت السيدة ليلى بن علي في اطار هذا المشهد العام تجربة المرأة التونسية المتميزة في اقتحام قطاعات العمل والانتاج والاستثمار معربة عن الاعتزاز باسبقيتها الى اقتحام ميادين عديدة كانت لعقود طويلة حكرا على الرجل وبمساهمتها في تطوير اقتصاد البلاد التونسية خلال السنوات الاخيرة واثباتها مقدرة عالية في التسيير والتصرف. واكدت ان مؤشرات التنمية البشرية تبرز ما بلغته المرأة التونسية من تطور مشيرة الى ان من أكثر هذه المؤشرات دلالة تزايد حضورها في قطاعات الانتاج وتنامي دورها الاقتصادي اذ ارتقى معدل النساء من السكان النشيطين الى نسبة 27 بالمائة. وتحدثت عن حضور المرأة وفي كل المهن والوظائف بنسب مرتفعة مشيرة الى أن النساء يشكلن في سلك القضاء نسبة 29.9 بالمائة وفي سلك المحاماة 42.5 بالمائة والنساء الطبيبات 42 بالمائة والمدرسات في التعليم العالي 44.3 بالمائة الى جانب نجاحها في مجال ادارة الاعمال وبعث المشاريع ليتطور عدد النساء صاحبات المؤسسات الاقتصادية الى حوالي 18000 امرأة الى جانب حضور المرأة في قطاعات المهن الحرة والفلاحة وغيرها والذي يعد بالالاف . واوضحت ان الدور الاقتصادي للمرأة التونسية مرشح لمزيد التطور مستقبلا لان القيادة السياسية في تونس على قناعة راسخة بأنه لا ازدهار ولا تنمية دون مشاركة المرأة ولانه تم وضع عديد البرامج الهادفة الى تأهيل المرأة معرفيا ومهنيا وسن التشريعات التي تلغي كل مظاهر التمييز ضد المرأة في سوق العمل ومجالات المبادرة الاقتصادية. ولاحظت رئيسة منظمة المراة العربية ان في نجاح التونسيات في مجالات متنوعة فخر لكل النساء العربيات مؤكدة القناعة بأن دائرة حضور المرأة العربية في مجالات العمل المختلفة ستزداد اتساعا بحكم الوعي العربي الجماعي الملموس وتوفر آليات وحوافز تيسر للنساء العربيات دخول سوق الشغل والحضور في شتى الاختصاصات المهنية بما ينمي موقع المرأة العربية على الساحة الاقتصادية ويفتح صفحة جديدة في سجل دور المرأة في العالم العربي الاجتماعي والاقتصادي والمهني. وشددت على أن المجتمعات العربية مدعوة الى العمل على استكشاف مجالات أوسع ومناهج أسلم واليات أنجع وافضل من أجل اعداد المرأة العربية للمهن الواعدة وأنماط العمل المستحدثة حتى تتيسر لها سبل الاندماج في الاقتصاد الجديد والانخراط في مجتمع المعرفة وعالم تكنولوجيات الاتصال والمعلومات الحديثة. ودعت السيدة ليلى بن علي الى بذل جهد اضافي من أجل القضاء على كل أشكال التفرقة الوظيفية وجميع أشكال التمييز في العمل ومضاعفة العمل من أجل تزويد المرأة بالمهارت والكفاءات اللازمة لزيادة مشاركتها. وبعد ان ابرزت الارتباط الوثيق بين قضية عمل المرأة في البلاد العربية بمنظومة ثقافية تحتاج الى تطوير وتحديث لاحظت رئيسة منظمة المرأة العربية ان من أوكد المهام في هذا الجانب السعي الى تعديل رؤية المجتمع على نحو يحترم عمل المرأة بشكل مكافئ للرجل وليس كعبء مفروض على المجتمع العربي. واكدت الحاجة في هذا الاطار الى معالجات اعلامية أعمق تتجاوز الصورة التقليدية السطحية التي يتم بها تناول قضية عمل المرأة من قبل وسائل الاعلام مبينة ان هذه الصورة لا تقوم على تقديم عمل المرأة كقضية حق في تكافؤ الفرص الذي يعد مدخل أساسي لابد من تبنيه لتعديل الرؤية العامة لحقوق المواطن وواجباته. كما تطرقت الى مشاركة المرأة العربية في عملية التنمية كرهان حضاري ومن أنجع الادوات في بناء التقدم واشاعة الرفاه في المجتمعات العربية مؤكدة انه لا سبيل لدفع مسار التنمية الشاملة الا برعاية المرأة العربية وتنمية قدراتها وضمان اسهامها وشراكتها في كسب هذا الرهان على النحو الامثل. وابرزت الوعي الكبير في اطار منظمة المرأة العربية بأهمية هذه الاشكالية مبينة ان برامج المنظمة ستترجم هذا الاهتمام قصد تفعيل دور المرأة في الحياة الاقتصادية العربية والعمل على ازاحة المعوقات التي تحول دون استثمار هذا المورد البشري الهام في مسيرة التنمية للبلدان العربية. واعربت عن اليقين بأن المؤتمر الثالث للمنظمة الذي سينعقد في شهر أكتوبر 2010 والذي سيتناول موضوع «المرأة العربية شريك أساسي في مسار التنمية المستدامة» سيكون فرصة هامة لتناول هذه المسألة بما تستحقه من عناية واهتمام يعكس هذا الحراك الكبير الذي تشهده المجتمعات العربية وهي تصنع حداثتها.