حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي في الرسالة التي وجّهها «دانيال قيران» الى «سي أحمد بن صالح» يوم 9 فيفري 1955، والتي ضمّنها خبرا حول تنحية الكاتب العام للاتحاد العام التونسي للشغل من منصبه (أحمد بن صالح) قبل عام من الحدث، تضمنت أيضا اتهامات من قيران تجاه «ريمون بونس» «Raymond Pons» وكذلك «هنري سماجا» الذي يقول عنه قيران، إنه حاول أن يوهمه بأراجيف بخصوص عملية اغتيال حشاد، وذلك بعد الجريمة... وهنا يشدّد الكاتب العام الأسبق للاتحاد العام التونسي للشغل، أنه لم يتابع مسألة تنحيته من الكتابة العامة للاتحاد، «وقد تذكّرت رسالة قيران التي بعثها إليّ قبل رجوع بورقيبة من المنفى، بأشهر، عندما أعلن أو أذيع خبر تنحيتي من مكتب تنفيذي للاتحاد، اجتمع دون علمي ولا حضوري. وقد كنت في زيارة الى المغرب الأقصى»... سألت عن قصة «الإقالة» التي تحوّلت الى استقالة فقال متذكّرا، ومذكّرا بأحداث لم نعرف حقائقها إلا الآن: «هنا أذكّر بسرعة، كلاما ومواقف ذكرتها من قبل، فبعد مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل لسنة 1956، حصلت على أعلى نسبة من الاصوات، وأدى ابتهاج المؤتمرين والمنضوين تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل، الى نتيجة عكسية، ففي تلك الفترة، غضب بورقيبة، ووقتها مزّق برنامج الاتحاد (الاقتصادي) الذي كان قبله بابتهاج وثناء قبل أشهر (قرابة العام) في مؤتمر الحزب بصفاقس 1955، وقلت لك آنفا، كيف مزّق بورقيبة البرنامج أمامي وأمام أحمد التليلي، وقد كنا في مقابلة معه... وقدم بورقيبة اتهاما موجّها الى حين قال هذه شيوعية، ولن أدعك تفعل ذلك... وقد أجبته أنا فقط وقلت له: لست شيوعيا، في حين لزم أحمد التليلي (الكاتب العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل وعضو الديوان السياسي للحزب) الصمت، وحين خرجنا من عند بورقيبة قال لي باللهجة الدّارجة آش عندك فيه... ما تاخوش عليه وقد انطلق بعد ذلك، الحديث عن انشقاق، وطلبت من التليلي وفرحات (عبد الله) أن يثنيا بورقيبة عن نهج التقسيم، وأنني مستعد لأن أتخلّى عن منصبي ككاتب عام... وكان بورقيبة قد ساهم في إيجاد منظمة نقابية أخرى، اسمها الاتحاد التونسي، وأعطى مفتاح مقر نهج اليونان الى الحبيب عاشور... رجع بورقيبة من «نيويورك» حيث شارك بصفته رئيسا لحكومة الباي، في أشغال الأممالمتحدة، وكنت أنا قد سافرت الى المغرب الأقصى، في مهمة نقابية مغاربية، لنوقّع نحن والمغاربة والجزائريون، على وثيقة لمّ الشمل لنقابات شمال افريقيا (الجزائر وتونس والمغرب) وذلك بمدينة الرباط العاصمة، وقد بارك الامر الملك محمد الخامس، الذي استقبلنا في نهاية الاشغال، وقبل سفرنا من المغرب... جاءتنا سيارة، لتأخذنا الى طنجة (مدينة ساحلية في الشمال) حيث كان المطار المغربي هناك، حيث تأخذنا (الوفد التونسي والوفد الجزائري) الى روما، لأن السفر بين المغرب وتونس، لم يكن بعد مباشرا... الغريب، أنه ما إن ركبنا السيارة، وفتحنا المذياع، حتى كان أول خبر يذيعه المذيع: علمنا الآن، أنّ الأستاذ أحمد بن صالح، لم يعد كاتبا عاما للاتحاد»... هنا سألت «سي أحمد» ويبدو أنني قاطعته لأنه كان سيواصل الحديث عن ردّ فعله، موضوع سؤالي، فقلت له: وكيف تصرّفت، كيف تقبّلت الخبر؟ فقال: «... لا شيء... ولم يحدث لي شيء... والله شيء ما وقع لي... وعندما وصلنا الى النزل بمدينة طنجة، وجدنا صحافيا مندوبا عن وكالة الصحافة الفرنسية «فرانس براس» لقبه «المكناسي» وعندما نزلت من السيارة، خاطبني قائلا: أستاذ بن صالح، ألا تعلم بالأخبار، لم تعد كاتبا عاما؟ فقلت له: سمعت الخبر وعلمت به وأنا في السيارة من الرباط الى طنجة. كان الصحفي يحملق في وجهي، فلم ير ما كان يمكن أن ينتظره من مسؤول أقيل من منصبه وفي غيابه... وقد صادف وأن رأيت هذا الصحفي لاحقا، فعلق على رد فعلي هذا قائلا: لم أرَ في حياتي مسؤولا يُنحّى من مسؤوليته، ودون علمه وفي غيابه، ويتصرف مثلما تصرفت أنت». فإلى حلقة قادمة، وتفاصيل أخرى...