أكثر من سبعين عاما مضت على وفاة شاعر إرادة الحياة أبي القاسم الشّابي ومع ذلك مازال حيّا يملأ التاريخ والجغرافيا .! كيف يفكّر الشعراء التونسيون في الشّابي ؟هل هو الرّمز ؟أم الغابة التي تخفي وراءها أصواتا وظلالا أخرى ؟ «الشروق» طرحت هذا السؤال على مجموعة من الشعراء التونسيين وكانت هذه إجاباتهم . الشابي قامة شعرية... حلم بالتجديد... ولكنّ الموت خطفه! تفكّر في شعرنا ومنه منجز الشابي ولذلك أقول مرّة أخرى: تظل تجربة الشاعر الكبير أبو القاسم الشابي تحتمل قراءات عدة لما تمثله من خصوصية ومقاربة إنسانية نهلت من أعماق الوجدان ولذلك فإن مختلف المقاربات التي تعاطت مع هذا الشاعر الساكن وجداننا قد حاولت إلى حد ما سبر أغوار هذا المنجز الشعري... الواضح أنّ نصوص الشابي قد استبطنت حيّزا مهما من عوالم الذات الشاعرة الحالمة والتواقة نحو الأفضل وخاصة نظرته للحاجة إلى أدب جديد وهذا مهم فالشابي كان مسكونا بهذا الهاجس ومن هنا يمكن القول إن التجربة حيّة وقادرة على هضم التحولات التي حدثت فيما بعد شعريا وكونيا وجماليا.. ولكن الموت حال دون ذلك.. رحم الله الشابي... المهم هو ما تفرضه علينا هذه التجربة من إعادة قراءة بالنظر لهذا المنجز الشعبي التونسي الذي تمثله الشابي في تلك الفترة التي عاشها حيث كانت النزعة الرومنتيكية طاغية لديه وأقول إن العالم الآن وأمام هول ما يحدث في حاجة إلى رومانسية جديدة تنزع نحو رفض الخراب والدمار وتهديد الذات الإنسانية في تلويناتها المختلفة... هكذا، تظلّ تجربة الشابي حيّة طازجة في عنقود الشعر التونسي والعربي والعالمي بالنظر لصدقها وعنفوان ترجمانها الشعري... الشابي كان نبض عصره ولعلّ الرسائل وغيرها من النصوص الأخرى التي كتبها قد أبانت بوضوح عن همومه الوجدانية والوجودية لقد عبّر عن ذلك بلا نفاق مثل الذي نراه اليوم لدى طيف من الكتبة والأشباه... إن الشعر الحق يتطلب جودة عالية في العبارة ونزوعا نحو مجد الإنسان ودفاعا مستميتا عن القيم واشتقاقاتها الحسية والجمالية والإنسانية بعيدا عن اللف والدوران... إن الشابي شاعر يخيّر ينابيع القول ومنابت القيم وكم يحتاج الشعراء والكتاب اليوم من شهامة وشجاعة وصدق خدمة للبلاد والعباد... قبل سبعين عاما تحدث الشابي في معرض شعره عن الصورة الواضحة للصراع الإنساني الذي هو صراع بين النبل واللؤم... بين أصحاب الحقوق والمعتدين. ما حدث في غزة... العراق... أفغانستان... لبنان... وغيرها من عدوان همجي صهيو أمريكي يعزّز معاني قصيدة فلسفة الثعبان المقدّس... «لا عدل إلاّ إن تعادلت القوى... وتصادم الإرهاب بالإرهاب» إن الحقوق تُفتكّ... هكذا فكّر الشابي في شعره وفي حياته بمعايير اللغة وما تنتجه من جمال وفنّ... الآن أفكر في الشابي مثلما أفكر في خليل حاوي ورامبو وطاغور وناظم حكمت ودرويش وأقول للأسف... كيف يفكر شعراء اليوم.. طبعا البعض منهم... الشابي ثار ضدّ السكون والسقوط بل إنّه اختار الغاب عند اختلال المنطق لدى الإنسان التونسي في تلك الفترة وهذا ينسحب على كل زمان ومكان.. الشابي صديقي الجميل الذي كتب الشعر وقال اختلاجاته بصدق وتوغّل في دروب الحياة بحلوها ومرها ورأى الحياة جميلة رغم المآسي والسواد وهذا هو الشاعر الحق حيث ترك «الثورة الكاذبة للحانة» ومضى باتجاه الضياء... إنّ ذا عصر ظلمة.. غير أنّي...