كرّم المجمع التونسي للعلوم والاداب والفنون «بيت الحكمة»، في اختتام الاحتفال بمائوية أبي القاسم الشابي يوم 08 أكتوبر 2009 الموافق لذكرى وفاة شاعر تونس الخالد، وهذا في حدّ ذاته اعتراف بالمبدع التونسي، واحتفاء بالشعر والشعراء، فكان تكريم الشاعر «محيي الدين خريّف» والشاعرة «فضيلة الشابي»، كما كرّم الأستاذ الخطّاط «عمر الجمني» لإنجازه كتاب «لحن الكائنات» وكرّمت المخرجة والمنتجة السينمائية «هاجر بن نصر» لإنتاجها وإخراجها للشريط الوثائقي: «أبو القاسم الشابي: شاعر الحب والحرية». وهذا التكريم في اختتام المائوية لا ينفي تواصل الاحتفاء بشاعر تونس الخالد «أبو القاسم الشابي». عن هذا التكريم سألت «الشروق» مجموعة من المكرّمين، فجاءت آراؤهم مفعمة بالحبّ والاعتراف بالجميل لكل المهتمين بالثقافة والابداع في البلاد التونسية. عهد مشرق يقول الشاعر محيي الدين: «نحن نعمل ولا ننتظر أن نتصدّر للتكريم أو نحوه، وقديما أرخى علي الدوعاجي الستر على تكريم الأحياء» وقال: «ما يحيا فنان الغلبة كان تحت اللحود». وأضاف: «.. ولكن ها قد رأينا عهدا مشرقا يضمّ الى جناحيه الذين ضحّوا بسهادهم وسواد لياليهم من أجل الشعر، وكل ذلك من الوعي الذي صار يحسّ به التونسي من أجل رموزه الذين حملوا مصابيح الكلمة وأعطوا ما عندهم من أجل تونس». وبنبرة صادقة قال الشاعر محيي الدين خريف: «أنا أحمدها مبادرة من رئيس الدولة زين العابدين بن علي ومن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ومن رئيس بيت الحكمة، الرجل المثقف الواعي بهموم بلاده والباحث في أركانها التي كانت معتمة عن الذين ضحوا وأعطوا كل بما جادت كفّه». وواصل الشاعر حديثه قائلا: «نحن نحسّ بالتفات هذا العهد لنا ونتمنى من الله أن يديمه ولكننا أصحاب طموح نطلب أكثر وأكثر خصوصا للكتاب وتوزيعه والعناية بنشره في جميع أنحاء العالم وفي تونس خصوصا».. وختم الشاعر محيي الدين خريّف حديثه قائلا: «إننا نكاد نفقد الكتاب وبه نفقد من يقرأ ونحن نكتب، ونقول بداخلنا لمن تدقه الأجراس وقد أخذت الوسائل السمعية البصرية كلّ ما لنا؟!..». حلقة ضمن سلسلة الابداع أما الشاعرة «فضيلة الشابي» فذهبت الى كونها محظوظة لأنها عاشت مائوية الشابي شاعر العربية الفذّ، واعتبرت أن كل شاعر عظيم يوسّع من خارطة بلده رمزيا وثقافيا مؤكدة في سياق حديثها أن الشابي يحسب مع عمالقة الشعر العربي. وقالت الشاعرة فضيلة الشابي: «الابداع الانساني سلسلة لا تنقطع، لذلك أقول اني حلقة ضمن سلسلة الابداع في الأدب التونسي والعربي لأن أي شاعر يكتب بلغة ما، فهو ابن تلك اللغة». وأضافت: «لقد قضيت 40 سنة في الحياة الثقافية ببلدي منكبة على الكتابة الابداعية وهو عمل شاق ومضن، أرجو أن أكون قد ساهمت مع شعراء تونس وأدبائها في خلق النص الأدبي المتميز، المساهم في سلسلة الابداع الأخرى». واعتبرت الشاعرة التونسية أن كل شعب من الشعوب حينما يكرّم مبدعيه في المجالين الأدبي والعلمي، فإن التكريم ذو بعد حضاري، مشيرة الى أن النخبة واعية بما يقدمه الفاعلون في الحقل الثقافي. وأشارت الى أن العطاء المستمر هو الذي يستحق التكريم لأن الابداع، على حدّ تعبيرها، هو ما سيبقى لتونس. وشكرت الشاعرة فضيلة الشابي الفاعلين بصدق وبصمت في وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، والعاملين ببيت الحكمة، لكنها استدركت قائلة: «لكنني مازلت أعتقد أنني في أوج عطائي وأن الفاعل في المجال الثقافي غني رغم ثقل جيبه، ولعلّنا نساهم كلنا في أن ندخل تونس الى التاريخ لأننا كعرب ننتمي الى حضارة الكلمة وشرف لي أني حملت القلم بصدق». لا حياد عن التوثيق المخرجة والمنتجة السينمائية «هاجر بن نصر»، كانت سعيدة، وسعادتها تجلّت في ابتسامتها التي لازمتها طيلة يوم الاحتفال، ولم تفارقها وعنها تقول: هذه الابتسامة تنبثق من القلب لأن قلبي مليء بالحب، هو حب الحياة والآخرين والخير للوطن، وابتسامتي هي رمز العطاء». وعن تكريمها تقول: «له نكهة خاصة لأنه جاء من بيت الحكمة، وفي هذا التكريم الكثير من الحكمة، ففي السنة الفارطة عرضت شريط «عبد الرحمان بن خلدون» وفي هذه السنة عرضت شريط: «أبو القاسم الشابي: شاعر الحب والحرية»، وبالتالي بيني وبين بيت الحكمة علاقة ودّ وتقدير». المنتجة السينمائية هاجر بن نصر أكدت أنها حاليا بصدد وضع اللمسات الأخيرة لفيلمها الجديد عن «الطاهر الحداد»، وأنها ستهتم في ما بعد ب«محمد الفاضل بن عاشور». ورغم أن اختياراتها السينمائية ليست تجارية ولا يمكن أن تدرّ عليها أرباحا وافرة، فإن «هاجر بن نصر» شدّدت على أن اختيارها للأفلام الوثائقية الموثقة للأعلام التونسية والعربية، مسار لن تحيد عنه أبدا، معتبرة في هذا السياق أن تونس بلد معطاء، أنجبت الكثير من العلماء، وأن رسالتها هي التوثيق لهم دون انتظار تكريم أو نحوه. هكذا كانت آراء بعض المكرّمين في مائوية الشابي، والأكيد أن تكريم المبدع وهو على قيد الحياة، يمثل حافزا هاما له لمزيد الابداع والخلق.