الحمد & الخالق البارئ المصوّر العزيز الجبّار الذي كل جبّار له ذليل خاضع، وكل متكبّر في جناب عزّه مسكين متواضع، أحمده حمدا نابعا من قلب مؤمن بمولاه فإنه نعم المولى والنصير والإله. ونشهد ان لا إله إلا ا& وحده لا شريك له في العالمين تقدّست ذاته وتنزّهت صفاته من ان تحددها عقول المخلوقين. ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله أمين الوحي والرسالة أخرج الناس من ظلام الكفر والجهالة، اللّهم صلّ وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه صلاة وسلاما عبقين بعطر الرياحين. أما بعد فيا أيها المؤمنون: فإن النفس تمرض وتصاب بالأسقام كما تمرض وتصاب الابدان، وأمراض النفس خطيرة وخفية، ولعل من أخطرها مرض التكبّر والعجب بالنفس وهو مرض يصيب الانسان عندما يعتقد بأنه أكمل من غيره وأعلى درجة منهم. وهو في الحقيقة قد أعماه الشيطان ونفخ فيه من المعصية والغرور وهو يتشبّه بإبليس الذي استبدّ به الكبر فظن انه أكرم من آدم وخير منه فكيف يسجد لآدم المخلوق من تراب وهو الذي خلق من نار وقد صرّح وقال كما جاء في القرآن: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} (ص76). وقد ذمّ ا& سبحانه وتعالى الكبر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم وذمّ كل جبّار متكبّر قال تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ} (الاعراف: 146) وقال النبي ے (يقول ا& تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني منهما ألقيته في جنّهم ولا أبالي) مسلم. وقال أيضا (بئس العبد عبد تجبّر واعتدى ونسي الجبّار الأعلى، بئس العبد عبد غفل وسها ونسي المقابر والبلى بئس العبد عبد عتا وبغى ونسي المبدأ والمنتهى). عباد ا& : إن للكبر أسبابا منها: 1) التكبّر بالعلم فلا يلبث العالم المتكبر ان يتملّكه العجب بعلمه ويستعظم نفسه ويحتقر الناس ويستبلههم ولذلك نجد المولى يقول لنبيه محمد {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (الحجر 88) وروى بن عباس عن النبي أنه قال: (يكون قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقولون قد قرأنا القرآن فمن أقرأ منّا ومن أعلم منّا ثم التفت الى أصحابه وقال أولئك منكم أيها الأيمة أولئك هم وقود النار). 2) التكبّر بالورع والتقوى : وكثير من الناس يتملّكهم الكبر ويرون الناس هالكين ويرون أنفسهم ناجين وهم في الحقيقة الهالكون فيترفّعون عن مجالسة الناس. وقد روي أن رجلا من بني اسرائيل كان يقال له خليع بني اسرائيل مرّ برجل آخر يقال له عابد بني اسرائيل وكان على رأس العابد غمامة تظله فلما مرّ الخليع به قال في نفسه: أنا خليع بني اسرائيل وهذا عابد بني اسرائيل فلو جلست اليه لعل ا& يرحمني فجلس اليه فقال العابد أنا عابد بني اسرائيل وهذا خليع بني اسرائيل فكيف يجلس اليّ فأنف منه وقال له قم، فأوحى ا& الى نبي ذلك الزمان مرهما فليستأنفا العمل فقد غفرت للخليع وأحبطت عمل العابد. فا& تعالى يريد من العباد قلوبهم، فالعاصي اذا تواضع هيبة & وذلّ خوفا منه فقد أطاع ا& بقلبه فهو أطوع & من العابد المتكبر والمعجب بنفسه. 3) التكبر بالحسب والنسب فينظر هذا الانسان في شجرة نسبه ومقام آبائه وأجداده فيفخر بجده الذي كان وزيرا وعمّه الذي كان عالما وخاله الذي كان قاضي القضاة وهو في الحقيقة وبهذا التفاخر يضحك به من نفسه اذ أن أجداده وأعمامه قد أصبحوا ترابا تذروه الرياح وكل منهم لو سألته عن حاله وموقفه بين يدي ا& لتمني أن لو لم تكن له سلطة ولا نفوذ في هذه الدنيا وقديما قال الشاعر: لا تكونوا عظاميين مفخرة ماض مجيد في حاضر خرب وقد روى الإمام أحمد بن حنبل عن معاذ أن رجلين تفاخرا عند النبي فقال أحدهما للآخر أنا فلان بن فلان فمن أنت لا أمّ لك فقال النبي (افتخر رجلان عند موسى عليه السلام فقال أحدهما أنا فلان بن فلان حتى عدّ تسعة فأوحىا& الى نبيه موسى قل للذي افتخر بل التسعة من أهل النار وأنت عاشرهم). 4) التكبر بالجمال وذلك أكثر ما يجري بين النساء فقد تزهو المرأة بجمالها وتعجب به وقد تترفع به على زوجها وتستعلي عليه وتظلمه، وقد يذهب الاعجاب بالجمال الى وقوع المرأة في مهاوي الرذيلة وبين أنياب ذئاب بشرية. 5) التكبر بالمال والثروة فقد يبتلي بعض عباده فيعطيهم المال الكثير فيغرس ابليس في قلوبهم الكبر والطغيان فيتكبّرون ويظلمون وينسون ربّهم وقد قصّ ا& علينا عاقبة قارون المتجبر بماله {إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} (القصص: 76). 6) التكبر بالذكاء فقد يعجب الانسان بذكائه وفطنته فتسيطر عليه الأوهام والخيالات قد يصير مجنونا بالعظمة ويعتقد انه قد بلغ درجة الكمال وقد نسي ان الانسان مبني على النقص لا على الكمال، فلو نقد كل إنسان نفسه نقدا نزيها لوجد في تصرفاته ومواقفه كثيرا من الخلل والنقص. عباد ا& : إن التكبّر والعجب بالنفس مرض خطير يؤدي في النهاية الى التكبر على ا& وذلك هو أقبح أنواع الكبر وباء صاحبه بالخسران المبين. قال ا& تعالى في شأن هؤلاء المتكبّرين: أعوذ با& من الشيطان الرجيم بسم ا& الرحمان الرحيم {وإذا قيل اسجدوا للرّحمان قالوا وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} (الفرقان: 60). نفعني ا& وإياكم بقرآنه الحكيم وهداني وإياكم الى صراطه المستقيم وجنّبني وإياكم موارد الظالمين المتكبّرين). ولا حول ولا قوة إلا با& العلي العظيم.