بن عروس: انقطاع التيار الكهربائي يوم غد الخميس بحي الروضة وجهة المروج 1    بورصة تونس يقفل حصة الأربعاء على ارتفاع بنسبة 0،46 بالمائة    مستقبل المرسى يتعاقد مع اللاعبين حمزة رباعي وتاج إسلام سالم    الليلة: البحر شديد الإضطراب وأمطار بهذه المناطق    فقأ عينها.. الاحتفاظ بزوج اعتدى بالعنف الشديد على زوجته    رفضت الزواج به فأطلق النحل على المدعوين يوم زفافها    الإعلان عن تنظيم المهرجان الدولي لموسيقى الراب    نور القمر تعلن انسحابها من افتتاح قرطاج: "تجاهل غير مهني... واحترام الجمهور أولاً"    عاجل : مهرجان قرطاج الدولي يُلغي عرض هيلين سيغارا    ليون باق في الدوري الفرنسي بعد قبول استئنافه    وزارة السياحة تمنع مسؤولي النزل ووكالات الأسفار من التدخل في لباس المصطافين    قانون جديد بش ينظم البيع على الإنترنت... وآلاف التوانسة معنيين!    المظلّة القابسية: أسعارها وأنواعها...تفاصيل تهمّك في هذا الحرّ    ''فاكهة التنين'' تغزو تونس: مشروع ضخم ب30 ألف شجرة في المنستير!    الذهب ولّى حلم! صياغة العروسة التونسية توصل للملاين...شوف التفاصيل    حكم بحبس أنشيلوتي لمدة عام    وضعية Fan في المكيّف: هل فعلاً تساهم في تقليل استهلاك الكهرباء؟    مخاطر تجاهل نظافة ''البيسين'': صحتك وصحة عائلتك في خطر    استرجاع عقار ببن قردان مستغل بغير الصيغ القانونية    الحماية المدنية تحذر من السباحة اليوم بسبب هبوب رياح قوية    أيام إعلامية وطنية حول التوجيه الجامعي لسنة 2025 من 17 الى 19 جويلية الجاري بمدينة العلوم بتونس (وزارة التعليم العالي)    قيمة صادرات النسيج والملابس تزيد بنسبة 2،61 بالمائة إلى موفى ماي 2025    دورة الصداقة الافريقية لكرة الطائرة تحت 19 عاما: نتائج مباريات المنتخب التونسي    نادي فيتا كلوب الكونغولي يتعاقد مع المدرب التونسي صابر بن جبرية    أول تعليق للكرملين على تسريبات "تهديد ترامب بضرب موسكو"    منوبة: اتخاذ قرارات رادعة لمنع الضجيج والانتصاب الفوضوي وإشغال الطريق العام    وزارة السياحة تمنع التدخل في لباس المصطافين وتمنع البيع المشروط    بداية من منتصف النهار: إعلان نتائج هذه المناظرات الوطنية..#خبر_عاجل    هام/ يتضمن خطايا مالية تصل إلى 10 آلاف دينار: تفاصيل مقترح قانون حماية المصطافين..    هذا اخر اجل لتصريح المؤسسات المالية بالحسابات البنكية غير النشطة..#خبر_عاجل    عاجل/ نتنياهو: هناك فرصة جيّدة لهدنة ب60 يوم في غزة    لأوّل مرّة: حيوان بحري نادر يظهر بشاطئ سيدي علي المكي.. #خبر_عاجل    بعد حذف معلّقة "سان ليفان" من برمجته: مهرجان قرطاج الدولي يكشف ويُوضّح..    مهرجان تستور الدولي... كان صرحا فهوى!    الحماية المدنية : 576 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    جندوبة: رحلة سياحية رابعة تحط بمطار طبرقة عين دراهم الدولي    باحثون أمريكيون يطورون اختبارا جديدا للدم يكشف الإصابة بالسرطان في مراحل مبكرة    بعد اتهامها بعدم سداد 50 ألف يورو.. غادة عبد الرازق تخرج عن صمتها وتكشف حقيقة ما حدث في باريس!    اعترف بسرقة المساعدات.. أبو شباب يكشف اسم المسؤول عن تشكيل مجموعته    أوجلان: الكفاح المسلح ضد تركيا انتهى    خاص: النادي الإفريقي يشرع في مفاوضات تجديد عقد نجم الفريق    القصرين: خط نقل بلدي جديد بين "عين نوبة" و"المن&1704;ار" يدخل اليوم حيّز الاستغلال التجريبي    كأس العالم للأندية لكرة القدم: تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي 2-صفر    عمي رضوان: ''الكره المجاني والسبّ على الفيسبوك يؤلمني''    اختتام الدورة 49 لمهرجان دقة الدولي بعرض "رقوج – العرض": لوحة فنية متكاملة من الدراما التلفزية إلى الدراما المسرحية    عاجل/ من بينهم أطفال: استشهاد 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على خان يونس..    وداعًا للشهيلي مؤقتًا...تيارات أوروبية باردة تخفّض الحرارة في تونس!    اليوم كلاسيكو نار في نصف نهائي مونديال الأندية: التوقيت والقنوات الناقلة    جزيئات بلاستيكية وراء آلاف الوفيات بأمراض القلب في العالم    دواء موجود قدامنا وما كناش نعرفو؟ السر في حليب الجمل    موقع "واللاه" العبري: السعودية أفشلت مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة.. ترامب يوقف المشروع    رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية: مصير المتبقي من اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب لا يزال غامضا    العراق.. اشتباكات مسلحة عنيفة بين عشيرة كردية والبيشمركة في أربيل    عادات وتقاليد..عاشوراء في سدادة بوهلال .. موروث حي تنقله الذاكرة الشعبية    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة في رفع الالتباس في زيارة أضرحة الأولياء والتوسّل بهم
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

سألني سائل: هل ان زيارة اضرحة الاولياء كفر او شرك بالله.
فأجبته: لا والله ودليل ذلك قوله تعالى في سورة الكهف {اذ يتنازعون بينهم امرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا.. ربهم اعلم بهم قال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا} هذه قصة هؤلاء الجماعة من الصالحين الذين احسنوا عبادة ربهم فأراد القوم ان يمجدوهم ويجعلوا من بعدهم موعظة وأثارا لمن سيخلفهم. فإن كان اتخاذ مسجدا يجوز اخبارا من الله لنا في القرآن للصالحين فاتخاذ زاوية لهم اولى في عصرنا خاصة وانه يقدم فيها الطعام للفقراء والمساكين. ثم اعلم ان اولياء الله سبقت لهم العناية الربانية في الأزل وذلك في قوله تعالى: {ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة..} فيا ترى ما هذه البشرى؟
الحقيقة تقتضي ان لا يصبح المؤمن وليا حقا الا عند تجلي الله فيه باسمه «الولي» فيتولاه. والتجلي هنا انطباع مرسوم الذّكْر على العبد حتى يصل ذلك العبد الى مرتبة القرب اما بالنوافل، او بذكر اسم من اسمائه تعالى وحتى احيانا بدون ذكر بل بعمل من الأعمال يرضى الله عزّ جل عليه، او بالوصول الى الله عن طريق الاحسان. قال صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل وما الاحسان يا رسول الله فأجاب ص «ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» هذه رؤية شاملة بعناية سبقت من الله فيفهم العبد حقيقة «لا إله الا الله» اي لا موجود الا الله. فيحسن العبادة في الاستقامة مع كل ما هو حوله. ثم بعد ذلك بعد هذا الفتح يظهر الرسول ص لهذا الولي بذاته النورانية الشريفة فيعاهد النبي على الطاعة وتربية الفقراء لذلك العصر على طريقة من الطرق. ولا تنس صبغة الطريقة مذكورة في القرآن الكريم ولكن قليلا ما يوعون ذلك وهي في قوله تعالى {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} (سورة الجن) ومن لم يقبل هذا فليقرأ قوله تعالى في سورة هود {انلزمكموها وانتم لها كارهون} فأفهم الاشارة ان كنت ممن هداهم الله للفهم.
**أسئلة
* كيف يذهب الناس الى اضرحة الاولياء وهؤلاء ميتون؟
اعلم يا اخي في الله ان الولي ميت بصورته حيا بذاته لأن من صافح وعاهد رسول الله ص له كرم تجلي اسمه «الباقي» فيه الى يوم القيامة. وكم فتح على قبر شهيد او صالح فوجد وكأنما دفن بالأمس فإن كان ذلك مقام الشهيد فما بالك بمقام من اكرمه الله بقوله {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} اي الأولياء والأولياء احبوا الله لله لا لغرض ما، احبوه لمعرفتهم بمحبوبهم ففنوا في ذاته وتخلوا عن جنته بشمال وسع رؤية صفاته، ضحوا بأنفسهم قبل اجسادهم اذ كبتوها حتى في الطمع بملذات الجنة بل اثروا هذه الأنفس على اللذات ودخلوا بمعرفتهم في جمال وجلال الذات اذ لا يرون سواها. ثم اعلم ان الذكر احيا قلب الولي فقال الله في هذا الصنف من عباده {او من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} (الانعام 121) ثم اعلم ان من لم يذكر الله قلبه ميت وذلك في قوله تعالى {أموات غير احياء وما يشعرون أيان يبعثون} (النحل 20) وقال ص : «الناس نيام فاذا ماتوا استيقظوا» والنائم عبارة عن ميت لأن الله يقول {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه} (الأنعام 59) فهذا يدل على ان هناك وفاة وبعث لنا كل ليلة ولكن نحن غافلون عن ذلكم ويقول ايضا {فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى الى اجل مسمى} (الزمر 41) فالكل نيام الا من احيا الله قلبه بالذكر. وأقرأ قوله تعالى {ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر} نعم اكبر وهذا هو طريق اهل الله الذكر. ويكون الذكر باللسان وبالفؤاد وبالرؤية وبالتفكر {الذين يتفكرون في خلق السماوات والارض..} ويقول ص ان تفكر ساعة في الله خير من عبادة سنة.
ثم اعلم ان الانسان بصفة عامة ينتقل من طور الى آخر {وقد خلقناكم أطوارا} (نوح 14) اي من ذرة ازلية اي روح في عالم الاعيان الثابتة الى صلب جد الى أب الى نطفة الى انسان ثم ينتقل الى عالم البرزخ فإن كان قد احيا روحه بالله في حياته فكيف تموت وهي بالله ومن الله. اما من اظلمها بالمعاصي فلا حياة لها الا في عالم الظلمات. فيحصل الآتي: كلنا يعلم ان الذات من روح وجسد ونفس وعقل وقلب. فإذا ما كان ربّانيا ترجع الروح طاهرة زكية الى بارئها {يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} ويبقى معها قلبها اي قلب تلك الذات اما العقل والنفس فهما دليلهما ومحركهما الدنيوي فقط. واما اذا كانت من الأشقياء ترجع الروح فحسب الى خالقها وتبقى النفس مع العقل والجسد في عذاب القبر او البرزخ. فهل يقبل عقلك احتمال فناء جسد مؤمن يأكله الدود والتراب بعد ان عبد وذكر ربه بكل كيانه؟ لا والله. بل كل ذرة من خلايا ذلك المؤمن الصالح الولي في غالب الأوقات يكرمها الله بتجليات اسمه الباقي فيها. هذا هو السؤال اطرحه على نفسك وقارن بين اولياء الله وعامة الناس.
**إلتباس
* سؤال: ألم يقل الرسول ص لا يشد الرحال الا الى ثلاث: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا. فكيف يشد الرحال الى مقام ولي من اولياء الله تعالى؟ كالذهاب الى سيدي احمد البدوي في مصر والاحتفال بمولده مثلا.
الجواب: لم تظهر ظاهرة الولاية في زمانه ص بأتم معنى الكلمة ولو ان الخلفاء الراشدين ومن والاهم ظهرت عليهم تلك العلامات وذلك لان النور المحمدي كان آنذاك ساطعا في اجزاء المعمورة ولا مجال لاقتسامه مع احد غيره ص ولكن عند اختفاء ذلك النور من بين المسلمين (ولو انه في الحقيقة مازال ولايزال موجودا فينا الى يوم القيامة باطنيا) كان لابدّ من مواصلة اقتباس عامة الناس من مصدر ما تؤخذ منه العلوم الشرعية والعلوم الباطنية.
وكما تعلم العلماء ورثة الأنبياء والعلم الباطن اعطي لأهل بيت رسول الله ص اذ هم الورثة وأحق بهذا العلم حتى يحفظوا اسراره. قال ص أعطيت يوم اسري بي الى السماء ثلاثة علوم. علم امرت ان ابوح به وهو علم الشريعة وعلم خيرت في الإباحة به وهو علم الحقيقة اي العلوم الباطنية وعلم لم أؤمر بإفشائه وهي الاسرار الربانية او كما قال ص فالولي وارث لأحد هاته العلوم باتخاذه العهد عن رسول الله وغالبا ما يجمع الولي الكامل الحقيقة مع الشريعة. وكما قال ص يحيي الله دين هذه الأمة كل مائة سنة. ولا يخلو زمان من الأزمنة إلا وظهر فيه ولي من اولياء الله يرشد الناس الى طريق الحق. فالحاصل ذهابك الى ضريح سيدي احمد البدوي او سيدي محرز هو في الحقيقة ذهابك الى خليفة رسول الله وهذا جائز شرعا اذ نزور كلنا ضريح الرسول ولا بأس في ذلك والذهاب الى الأمير او الخليفة شيء واحد. فأفهم ثم اقرأ قوله تعالى {واقيموا وجوهكم عند كل مسجد} (الأعراف 28).
وان سأل سائل هذا قصد المساجد وليس قصد الزوايا؟ قلنا ان الزاوية التي فيها ولي لها مكانة عند الله اذ فيها يعبد الله وفيها تقام حلقات الذكر وفيها يطعم المساكين وفيها يقام المولد النبوي وهي عامرة كل اليوم فمنهم من يذكر ومنهم من يصلي ومنهم من يقرأ القرآن ومنهم من يقرأ الفاتحة لصاحب ذلك المقام والكل ذكر في ذكر لأن صاحب ذلك المقام ما صار وليا حقا إلا بعد استغراقه كليا في ذكر الله حتى الفتح الرباني فصار كل جزء من ذلك المكان يسبح معه إكراما من الله له اذ كل شيء يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. وحاشى لله ان ينزع اسماءه وصفاته وبركته من مكان سبح له فيه بالكلية. {وانا لنحن المسبحون} فالزاوية ومن فيها مسبحة ذاكرة الى يوم البعث. وأحيانا نجد زاوية فارغة ولا زوار فيها فذلك بحسب ما كان عليه صاحبها في حياته.
ثم اعلم يا اخي ان هذا المكان الذي يذكر فيه الله فيه يطعم المساكين ويذكر الله في كل الأوقات كما بيناه آنفا {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} (الأعراف 30) فهل نحن نأكل في المساجد؟ افهم الاشارة ان كنت من الذين فتح الله عليهم واعلم ان تسعة وتسعين في المائة من الأولياء فقراء بأتم معنى الكلمة ضعفاء الحال ذوو مروءة واحسان وسخاء يقول الله عزّ وجل {ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} (القصص 4) نعم هم الوارثون حقا لفقر رسول الله ص ولتواضعهم لخلقه سبحانه وتعالى ولأخلاقهم اذ صبروا على أذاء الخلق وحلمهم لهم في المقابل. يقول ص كاد الحليم ان يكون نبيا. ومَن من الأولياء لم يعان الكثير والكثير من عامة الناس ألم تقرأ قصة سيدي عبد القادر الجيلاني وسيدي ابو الحسن الشاذلي وسيدي احمد البدوي والحلاج وغيرهم {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} (السجدة 24).
**التوحيد
* ولكن نرى البعض وخاصة النساء يرفعون ايديهم ويطلبون من صاحب المقام تسخير امورهم على شتى انواعها من زواج وتداوي ونجاح ويتواعدون بالقربات لذلك الولي ان قضيت حاجاتهم أليس ذلك بشرك؟
اعلم يا اخي في الله ان الله قضى في ازله ألا يُعبد سواه اذ قال {وقضى ربك ان لا تعبدوا الا إياه..} وها أنا اسأل يوما امرأتين في مقام سيدي محرز في تونس «لمن يا جماعة ترفعون أيديكم؟ فأجابوني فورا: للّه عز وجل. فسألتهم ولم في هذا المكان بالذات؟ فقالوا نتقرب بهذا الولي الصالح عسى أن يتقبل منا اللّه ببركة ما قدم من أعمال في دين اللّه. انظر إلى بساطة هؤلاء النسوة وتفكيرهم حملهم إلى معرفة الأشياء على حقيقتها إذ نحن في عالم الباطل وهذا الولي الصالح في عالم الحق عالم الغيب والشهادة. نعم عالم الغيب «غائب في مشاهدة جمال أنوار قدسية تجليات الذات في عالم البرزخ أو في عالم الملكوت أو في عالم الجبروت أو في عالم الناسوت أو في عالم اللاهوت حسب المقامات. (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل) نعم نحن أسفل نحن نصحو ونمسي على رؤية المنكر وأكل الحرام والمتشابه فيه في حين أن روح هؤلاء الصالحين مازالت تسبح في عوالم ثانية كما عودت نفسها في هذا العالم حين عبورها على جسر الدنيا.
ثم سألني سائل: أليس بيننا نحن المسلمين وبين اللّه عدم الوساطة فكيف يجوز التوسل بولي أو رجل صالح. ألم يقل عز وجل (وإن سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني)؟
الجواب: صحيح اللّه مجيب الدعاء ولكن لمن يا ترى؟ أيجيب دعاء من لا يستغفر مثلنا وقد كان رسول اللّه (ص) يستغفر اللّه في اليوم سبعين مرة وهو الذي قال اللّه فيه (ليغفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أيستجيب لقوم تركوا أذبحتهم بأيدي أجنبيين لا يسمّون عليها؟ أيستجيب للذين يتناولون الدواء المغلف بالجيلاتين وهو من مادة شحم الخنزير؟ أيستجيب لمن يأكل الربا أضعافا مضاعفة؟ أيستجيب لمن تكبر وتجبر؟ أيستجيب لمن ينام على الأفلام الخليعة ويصبح متبرجا مجاهرا بمعاصيه. لمن يا ترى لهؤلاء أو لولي تمنع عن كل ذلك واتخذ له محرابا يتعبد فيه لخالقه؟ ثم أعلم أن الواسطة مباحة شرعا إذ توسل عمر الفاروق في زمانه بعم رسول اللّه العباس وسأله أن يسأل اللّه الاغاثة بالمطر. والواسطة لابد منها ولولاها ما كان الكون جاريا على مقتضى اسمه البديع فبنو اسرائيل قالوا «عيسى هو اللّه» والمسلمون قالوا: «محمد رسول اللّه» وقد كان أجدر بهم أن يجعلوا الوساطة ويقولوا «عيسى نبي اللّه» فيخرجوا من الشرك الظاهر. ولقد اخترق الرسول الكريم (ص) السبع الطباق ومافيهن من سماوات وملائكة وحجب وبحور من نور وظلمات وغيرها إلا عن طريق وساطات فأولهم سيدنا جبريل ثم ملائكة السماء الأولى ثم ما بعدها ثم ميكائيل ثم أسرافيل ثم عزرائيل ثم خازن الجنة وخازن النار والكربيون وحملة العرش وعوالم أخرى لا يعلمها إلا اللّه أليست هذه كلها واسطة؟
**الطريق
يا عبد... إن أردت حقا اختراق السبع الطباق ومن فيهن لمخاطبة ربك مباشرة فعليك بالجهاد والمحبة وايثار النفس وشهواتها وكثرة الذكر مع صفاء القلب وزاد كبير من السخاء ثم أمزج الكل في قصعة فيها السماحة والوفاء مزجاة بالرحمة والندم وستصل إلى ربك حقا ولكن لابد لك من رؤية حبيبه ص قبل ملاقاته عز وجل إذ لا مجال للدخول على الأمراء إلا بعد زيارة الوزراء أليس كذلك؟ وإن أعطاك الوزير طلبك فهل أنت في حاجة إلى الرئيس بعد؟ الوزير محتده في ذات رسول اللّه وذات رسول اللّه مكتمنة في ولي من أوليائه فأفهم وفقني اللّه وإياك لسلك الطريق على أحسن حال. ألا ترى الرئيس في كل عون في كل حاجب في كل شيء؟ لا يصل إلى الرئيس إلا كل من ارتقى في شتى المناصب مثل المعرفة والعلم والقرب والشهود والابتلاء وذلك بالأعمال والاخلاص.
أليس الولي أخلص لربه أربعين يوما كما هو معلوم عن سائر أهل اللّه؟ كما أخلص موسى لميقات ربه أربعين يوما أليس أجدر لمن هو من سلالة رسول اللّه أن يرتقي إلى المقامات ممن سأل «اللّهم اجعلني من أمة محمد «فقال له رب العزة «عليك بكثرة الصلاة على محمد يا موسى» (وتلك الأمثال نضربها للناس ولا يعلمها إلا العالمون العنكبوت 42) واختم هذا التحقيق بالحديث القدسي الذي يقول فيه عز وجل «من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب» وإياك ثم إياك يا أخي أن تعادي وليا ولو بقلبك حيا كان أو ميتا والتزم بالآداب في كل مقام ولي فلقد وقفت مرة على مقام سيدي محرز نفعنا اللّه ببركته فقال لي: «أستقم» فاهتززت هزة أخذت خاطري (ولو أن قرأنا سيّرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلّم به الموتى الرعد 30) وكنت آنذاك قرأنا بكليتي.
ولا بأس كما شرحت لك أن تتوسل بالصالحين فكما قيل من أجل عين تذارى ألف عين. ولا تغفل على انك تقول في صلاتك «التحيات للّه والزكيات للّه والطيبات للّه والصلوات للّه. فقال ص ليلة الأسرى والمعراج بعدما قال له اللّه «السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته «فأجاب ص السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين» هؤلاء هم الصالحون الذين مجدهم رسول اللّه. جعلنا اللّه وإياكم نقتبس من أنوارهم وكما قال الامام الشافعي رحمه اللّه. أحب الصالحين ولست منهم لعلي أنال بهم شفاعة وأكره من كانت تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.