«صابر بن عالية» اسم اخر من هذا الجيل ومن قافلة طويلة من الأدباء الشبان سعت الى نحت كيانها الشعري والأدبي في العقدين الفارطين... هو واحد آخر منّا يقتحم الجدار ويخترق النسيان والتهميش وصعوبات المدن والقرى البعيدة ويخرج الينا بشموس النرجس وهو عمل شعري ثري ويفرض نفسه على القارئ باعتباره يختزل العديد من الابعاد وهو نص مفتوح نقديا تكثر الزوايا التي يمكن الولوج اليه منها... لن أجلس طويلا تحت هذه الشموس وسأطوف ببعض الملاحظات العابرة لكن اعتقد ان هذا العمل سيبقى من الاعمال التي انتظر فرصة معالجتها النقدية حينما يحصل الهدوء... أتقن صابر بن عالية في أكثر قصائد مجموعته ممارسة الرومنطقية الشعرية وهذا يحسب له لأننا كثيرا ما نصطدم بتجارب رومنطقية معاصرة ولكنها غير واعية وغير مصقولة ذلك ان الرومنطقية نسق شعري متكامل في اللغة والصور الشعرية والمعاني والأحاسيس... لا يمكن ان نصنف اي نص في خانة الرومنطقية... ويعسر ان يقنعنا نص شعري معاصر برومنطيقيته وإن قنعنا ببعض الارهاصات ولكن عصافير صابر بن عالية أقنعتنا... قد يكون الامر مجرد تخمين واحساس شخصي لكنه بأي حال ليس نوعا من المغالاة فالجو الرومنطيقي ممتد وجلي في هذا العمل. «الشموس تعزف بحرا قديما أزرق صوت الليل العاشق أزرق حلم النجم البكر أزرق رحيل القصائد العارية أزرق شوق العصافير» (ص5) واستطاع الشاعر ان يكتب نصوصا حالمة اي ان مساحة الحلم في هذا العمل متوفرة... حيث تبدو الاحلام انتظارا وأمنيات... كي تنشد الموج كأخصب صمت كي ترثي الظل كأشعر ضحكة كي تصقل الحلم كأبعد ما» (ص6) كما تكثر اشارات الشاعر الى الحلم أو استناده الى معجم طبيعي يحمل هذا النفس الحالم. العصافير أحلى حين تهطل في الحلم العصافير أحلى بعيني نهر... (ص18) 3 يمضي الشاعر حالما ومتشبثا بالحلم وبالطبيعة وتجمع قصائده بين التأملات الذاتية التي يتحوّل فيها الشاعر الى رسّام وبين التأملات العامة فيتقمص الشاعر الضمير الجمعي مرات عديدة ويرحل بنا بعض شعره الى القضايا العربية من ذلك قصيدة اركيولوجيا الموت. «مات ا لبحر قبل ان تطلع، عروس الحزن ما كنا نموت لو قرع الحزن أبواب الشمس ما كنا نموت لو جاد البحر بالقدس... (ص25) 3 إن ثراء هذه المجموعة يجعلها من الاعمال التي تستحق النقد ولا تكفي ورقة سريعة للغوص في ملامحها. شموس النرجس : صابر بن عالية مطبعة الخدمات السريعة قابس