عن ورقة للنشر أصدر الشاعر عادل المعيزي «أقاصيده» (والعبارة له) والتي جاءت ممهورة ب «تطير الخطاطيف بي». غلاف الكتاب جاء معبّرا عن عالم الانطلاق متناغما مع روح العنوان ومتساوقا مع أجواء الحرية. الأقاصيد كتبت ما بين 2007 و2008 صدّرها بنص كزانزا كيس «كلوا واشربوا ومارسوا الجنس أيها السادة ما هذا الطائر الاحمر الذي فوق رؤوسكم؟ انه ليس جرحا فلا تخافوا ايها السادة انه فمي الذي يغني!». الأقاصيد 20 والتحليق واحد... البداية تونسية بيوم «تونسي باذخ» غروب وشمس تطلع جديدة من شمالنا الغربي «ستعودني فيه الخطاطيف وهي تعبر في اتجاه الاغنية» لم يصدّق أحد! الخطاطيف تجاوزت الاغنية «لترعى على كتفي» لم يصدق أحد! أن الخطاطيف الطائرة الأليفة وأدوا ريشها ومحوا زرقة البحر والسماء... من هم؟ تأتي الاجابة في «سأقول شكرا سأكون شكرا للذين تجردوا من جبنهم وتوشحوا بخراب روح» اللغة لغات طوعها عادل المعيزي «كصلصال إلهي» وعجنها كخبز آدمي... لم يحتر في تشكيلها ولم «يلعثم الافكار» الصلصال استحال الما حينما فتش الطفل عن حجارة حميمة غاضبا «كي يكتب التاريخ لكن الرصاصة تسبق التاريخ فيما لا يراه مؤرخ» الطفل يتخبط في دمه «والناس والأمراء في زي العدو ينددون كما ترى بتأخر الاسعاف» عين الناقل الراصد الناقد يرسل عباراته صلصالا يشكله ألما ونقدا وحسرة الطفل لم يعجب بالطائرة التي تطير دون خيوط بل «يعود بنصفه ويخوض نصف العمر يحيا بنصف ما تحيا الدواب وهكذا مثل الرجال كما يقال هنا وأكثر أو أقل من الرجال» من أشيائه الصغيرة الى العالم الأرحب ومن الأرحب الذاتي الى الاتحاد بالألم الآخر يعود عادل المعيزي ليكون شاهدا على اشتباك الذاتي بالفضاء الارحب المشترك: «كلما قلت حرّيتي بلدي ضحكت من غبائي بلادي ورفرف فوق السطوح خطاف وغنت قيود لأغلالها» وتتواصل وليمة الرقص على الرفض والراقصون ايقاعهم: «نعم!». كل مفردات التحليق كانت حاضرة ربيعا خريفا وفي أكتوبر ولعل اجمل «أقاصيد» المجموعة «لأني أحب الخطاف»: «أحب المساجد والصومعات وأعشق ذنب القباب (...) أحب الكنائس والراهبات وأعشق لون الغياب الغياب سواد الفساتين حزنا على ملل في انتظار المسيح الذي ينتظرن». ............... أحب النجاة من البحر لولا قوارب موت الحروف، وأعشق وجهك حين أرى حاجبيك جناحا من فرط دهشة مجرى الهواء يحومان حولي لأني أرى فيهما من قديم الزمان بهاء الخطاطيف الطفل الذي يتشاجر مع رفيقه حول موعد يوم القيامة والطفل الذي تلاحق أمّه طيشه بمكنسة كبر حلمه صار يشكل اللغة ويطرح أسئلة مؤرقة. الطفل زادت حيرته وهو يتأمل هذا العالم الذي «يتغطرس فيه سجين يحرس سجانا مازال يفكر في الهرب كما الخطاطيف المحلّقة! بعينه التي تلتقط تفاصيل تستسلم أمام الشاعر وتقدّم له آيات الولاء كي يشكلها صورا مبتكرة.. كم هي اللغة «مطواعة».. وقوارب حروفك تستعصي عن حرس الحدود! ما هذا العالم الذي تجتمع فيه كل المفارقات الرسام أعمى والعازف أخرس والرجل العانس والحظ العاثر (ثاء). يجوب عادل المعيزي الأغاني تلازمه حمى الخيال يحصي اللغة والنجوم يضيء كمشعل زيت بل كحفيد قيرواني أضاع الطريق إلى القيروان.. دائما وقرطاج وقانا.. أحيانا! تخدعه القصائد لكن حدسه يقوده إلى عمران القصيدة ويهرب من لغة قد تؤذن «بخراب العمران». لم يكن معهم حين انحاز إليهم كان غائبا حاضرا شاهدا لا مباليا بل تورط رغما عنه بل تطوع. لا يعلم اللّه موقفه سلّ حروفه فتح شرايين عاطفته وقرّر: «لم تكن معهم عندما افترشوا في الملاجي أشلاءهم هل نجونا من المجزرة». طارت الخطاطيف.. كانت شاهدة على السجين والسجان والعاشق الولهان والصبي في تقلباته والرهبان. كانت شاهدة والشاعر دليلها كانت شاهدة على «أغنيات اليتامى» و«وعود العسكر بالقمح» والموت «يصدأ فوق التلال». كم كنت أيها الشاعر متيما وكم تورطت في لغة ابتزت أحاسيسك.. كنت طائرا تصنع الحب وتغزل الحروف والكلمات. كم كانت فضاءات الحرية مشرعة وكم احتضنت لغتك كل معاني رحلة الخطاطيف.. أيها الشاعر ستظل محلقا.. قد تختفي الخطاطيف يوما لكنك ستخطف دوما ما تيسّر من عجين وصلصال اللغة لتؤكد أنك خلقت لتحلق عاليا لتستحيل كلماتك خطافا محلّقا!