انتهت منتصف الليلة الماضية حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية وخلّفت في العموم رضا جماعيا عن الظروف التي دارت فيها، رغم توسّع التنافس والتعدد، ورغم بعض حالات التشكي والتظلم المرافقة لكل تنافس، والتي عالجها مرصد الانتخابات بحكمة وبتطبيق حازم للقانون الانتخابي. الحملة خلقت حراكا في الشارع التونسي لقي صدى لدى المواطنين الذين وصلهم المتنافسون وأفكارهم وبرامجهم، فتنغّموا بتعدد الاراء والمقاربات، وهو ما يؤهلهم غدا لاختيار الأفضل بينهم لضمان النماء والرفاه. كل المترشحين تمتعوا، ووفق ما يقتضيه القانون، وعلى قدم المساواة بالتمويل العمومي للقيام بحملاتهم الانتخابية وتكلموا بكل حرية في الإذاعة وفي التلفزة، وعقدوا ما طاب لهم من اجتماعات عمومية، ووزعوا قدر استطاعتهم بياناتهم الانتخابية، وزاروا كل المناطق التابعة لدوائرهم لعرض برامجهم ووعودهم. لكن هذه المساواة هزمتها الإمكانيات المادية والقواعد الجماهيرية المتفاوتة والقرب من الناخبين والقدرة على الوصول إليهم وهي نقاط تصنع الفارق وتحقق الفوز. الحملة كشفت أيضا بداية خروج الشباب من حالة الاستقالة في اتجاه الاهتمام بالشأن العام والمشهد السياسي الوطني بعد الحطّ من سن الناخب إلى 18 عاما وهو إجراء سيحمل غدا قرابة نصف مليون من رجال الغد إلى صناديق الاقتراع لأداء الواجب وممارسة الحق. كما أبرزت الحملة توسع الجبهة المعارضة المتمسكة بأن صندوق الاقتراع هو الفيصل الوحيد، وهو الطريق الصحيح للوصول إلى الحكم وأن البلاد تبقى في حاجة إلى حوار وطني بين كل أبنائها مهما اختلفت انتماءاتهم ومقارباتهم، وفي ذلك ضمانة لتواصل الاستقرار والوفاق. ولا شك أن تميّز الحملة الانتخابية وما سادها من أجواء مريحة سيدفع الإدارة وكل الأطراف المتنافسة على إنجاح المرحلة الأخيرة المتمثلة في يوم الاقتراع وما يليه من فرز للأصوات والإعلان عن النتائج، في اتجاه الحرص على تطبيق مقتضيات القانون الانتخابي على الجميع، وعلى تساوي وتكافؤ حظوظ كل المترشحين، وتجنّب كل مظاهر الاستفزاز أو الإساءة إلى بقية المتنافسين. إن إنجاح مرحلة الاقتراع وفرز الأصوات مسؤولية جماعية يشترك فيها المترشحون والناخبون والإدارة ومرصد الانتخابات وثمارها تدفع المسار التعددي الديمقراطي، وترفع سقف الإصلاحات السياسية وتعمق نهج الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني. إن الحريصين على إنجاح وتنمية التجربة السياسية في تونس والمؤمنين بالمشروع المجتمعي للتغيير، مطالبون قبل غيرهم بأن يجعلوا من يوم الاقتراع وفرز الأصوات عرسا حقيقيا تغيب عنه كل أشكال التظلم والتشكي، وتقطع فيه الطريق أمام المشككين والناظرين بعين واحدة.