بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي ليس هناك من لذة أجمل من لذة التواصل بين الأدباء سواء كانوا من بلد واحد وجيل واحد أو من أقطار عربية مختلفة، فنحن ما دمنا نكتب بلغة واحدة ونعايش الأحداث نفسها وتسكننا هموم مشتركة سواء تعلق الأمر بالابداع وشواغله أو بالمصائب الكثيرة التي تجتاح الأرض العربية وبعضها فوق طاقة الخيال مثل احتلال العراق بهجمة بربرية لو كان هناك قانون دولي حقيقي لكان مقترفوها أمام محاكم الجنايات التي تقاضي الكومبارس ولا تقاضي رؤوس الشرّ التي خططت ونفذت. كان للتواصل معناه الذي يمدّ من يعيشه برحيقه الفاتن، لقاء يومي في مقهى أو ناد، نستمع لبعضنا، يقرأ الواحد منا جديد كتاباته فينصت إليه الآخرون بحميمية، وبعد أن يفرغ يناقشونه ذلك النقاش الأبيض الخالي من سخام الغيرة والحقد، وعندما ينجح نصّ ويأخذ مداه يحس كل واحد وكأن هذا النص له. إنني عندما أتذكر تلك الأيام أحس بالحبور الذي يرمّم كل ما يتهدم في القلب والوجدان. وأبحث عن تلك الوجوه التي زيّنت أيام الصفاء الجميل، وعندما أعثر على هاتف أو عنوان من بحثت عنه تكون في هذا سعادتي. من الوقائع التي مرت أذكر أن زميلا لنا أصدر باكورته القصصية وكنا وقتها طلابا في كليات مختلفة تضمها جامعة بغداد الرحيبة. وكان الطبع وقتها على الحساب الخاص قبل أن تدخل وزارة الثقافة مجال النشر وتتولى نشر الكتب في سلاسل وفقا للجنس الأدبي لكل كتاب. وما أن جاء الزميل بنسخ كتابه حتى توزعها أصدقاؤه كل إلى كليته، وقد نجحوا في بيع النسخ التي حملوها، وجاؤوه بأثمان ما باعوه. ولكن الأهم من هذا أن هؤلاء بشّروا بكتابه، ونظموا عنه لقاءات وجد نفسه فيها وجها لوجه مع الذين اقتنوا كتابه وقرؤوه. ولم يصدر كتاب إلاّ واهتمّ به زملاء مرحلته الذين كانوا يتوزعون الكتابة في الصحف متطوعين، أو يقدمون برامج اذاعية تعنى بالأدب والاصدارات. إن هناك حنينا جارفا لتلك الأيام يحسه كل من عاشها رغم أن الظروف اختلفت والكثيرون تبدلوا وصاروا عناوين للمكيدة والايقاع بالآخر. لكن القلة الصافية هي التي تلون المشهد الأدبي ببهائها الفاتن. ولعل الذين ركبوا موجات السرعة وتسلحوا بالتطاول الفجّ معذورون فهم نتاج مرحلة اختلّ فيها الايقاع وسقطت الكثير من المسلمات. ان التواصل يقول لنا بأن أيا منا ليس وحيدا بل هناك من ينصت له، من يتابعه، ومن هنا ولد هذا الحرص على تبادل الاصدارات، لأن المؤلف يعتبر كتابه لا يستكمل دورته إلا إذا وصل لأصدقاء رحلته الذين تابعوا كتاباته حرفا حرفا ونبضة نبضة. وأقول هنا مازال رفاق تلك الأيام رغم تشتتهم في بلدان الدنيا على حرصهم الأول في متابعة بعضهم لا في مؤلفاتهم أو مكالماتهم ورسائل الهاتف المحمول بل بابلاغ بعضهم إذا كانوا سيظهرون في احدى الفضائيات والوقت المحدد لهذا. وقد تابعت ثلاثة لقاءات مع أصدقاء أحدهم يقيم في الامارات والآخر في اليمن والثالث في بيروت لولا رسائلهم القصيرة التي أنبأتني بمواعيد هذه اللقاءات لما كان بإمكاني رؤيتها والتمتع بأحاديث الذكريات الأولى التي حملتها. إن زمن الجزر المعزولة في محيط كبير حالة يمكن كسرها بالتواصل فهو وحده الذي يجددنا ويجعلنا نعرف أننا لسنا وحدنا بل نحن أشجار في غابة واحدة.