السيد برتران دولانوي رئيس بلدية باريس وأحد قياديي الحزب الاشتراكي الفرنسي هو من مواليد مدينة بنزرت. وقد نشأ في هذه المدينة المناضلة وقضى فترة من حياته على أرضها وبين شوارعها وأحيائها وتنفس هواءها وعاشر أهلها.. ولهذه النشأة وهذه «العشرة» كما نقول في لغتنا الشعبية الحميمة هي «عشرة» مع تونس وأرضها وشعبها.. واصل السيد دولانوي زيارة بلادنا وقضاء بعض الوقت في مدينة بنزرت وفي غيرها من مدن تونس وشواطئها وبين أحضان طبيعتها الخلابة. وكان خلال جميع المناسبات التي يزور فيها بلادنا لا يجد من السلطة ومن أبناء تونس- وخاصة الذين عرفهم منذ طفولته وشبابه – لا يجد إلا الترحيب والتبجيل والاحترام. «الاستعماريون الجدد».. وكان السيد دولانوي في مختلف المناسبات لا يتردد أبدا في تقديم الشكر والاعتراف بالجميل لهذا البلد الذي احتضنه في فترة هامة من حياته.. واستقبله خلال جميع المناسبات التي زار فيها بلادنا... استقبله أجمل استقبال وكأنه أحد الأبناء، وهي المعاملة التي تقوم بها تونس مع كل الأجانب الذين تربوا فيها وقضوا جزءا من حياتهم بين أبنائها وفي أحيائها.. وخاصة منهم الذين أكدوا وفاءهم لها واحترامهم لحضارتها وخصوصياتها الثقافية والوطنية. برتران دولانوي هذا هو نفسه الذي فاجأ الجميع أخيرا بتصريح أبرز فيه بشكل واضح تنكره لمدينة بنزرت التي تبنته.. ولتونس التي احتضنته وبرّت به.. وعندما نقول إن دولانوي تنكر لهذا الانتماء فهذا يعني وبصورة واضحة أن هذا التصريح الأخير الذي أعلنه هو المعبر عن دولانوي الحقيقي، دولانوي صاحب الثقافة الاستعمارية المنغرسة في فكره وفي فكر أمثاله من «الاستعماريين الجدد».. مثل «المحافظين الجدد» ولفظ «الجدد» في هذه الحالة يعني كما هو شائع ومعلوم لدى جميع المحللين، يعني التطرف والمحافظة.. والتطرف والموقف الاستعماري.. التطرف في التدخل في شؤون البلدان التي تحررت من الاستعمار.. والتطرف في الوصاية.. وفي تقديم «النصائح» أو بالأحرى «التعليمات».. وللتذكير فقد عبّر دولانوي في بلاغ شخصي وإعلامي عن «حزنه عن الانحراف» الذي حدث في تونس في مجال «حقوق الإنسان» وعن «انشغاله» هكذا.. ولذلك فهو «يدعو إلى الاحترام الدقيق لهذه الحقوق» والغريب.. الغريب أن دولانوي ينصّب نفسه معبّرا عن «رغبة الشعب التونسي» في مجال الحريات، وهنا تبرز الخلفية الاستعمارية لهذا الاشتراكي وعمدة مدينة باريس.. ولئن كان أجداده يرفعون شعار «مهمة نشر الحضارة» لتبرير الحملة الاستعمارية.. والحضور الاستعماري بالهيمنة على مقدسات الشعوب وإمكانياتها وثرواتها.. البشرية والمادية.. فإن هذا «الاستعماري الجديد» يرفع شعائر «الحريات العامة وحقوق الإنسان» للتدخل في الشؤون الداخلية وفرض وصاية جديدة متجددة.. طبعا بالاعتماد على طابور مفلسين أمثال المهرج بن بريك وما شابهه.. من «عملاء فرنسا» – الذين يستغلون شعارات «الديمقراطية.. حقوق الإنسان.. الحريات العامة»..- لخدمة أسيادهم «الاستعماريين الجدد».. وبالخصوص للتمعش منها.. أسباب سياسية وثقافية وبالتأكيد على هذه المواقف الجديدة لبرتران دولانوي فإن هذا الموضوع يحتاج إلى توقف وتحليل للإجابة عن السؤال التالي : ما هي الأسباب التي دفعت عمدة باريس إلى التناقض تناقضا كاملا مع مواقفه القديمة والمشيدة بتونس والانقلاب إلى هذا الموقف الجديد المسيء له بالدرجة الأولى قبل غيره.. لأن تونس ينطبق عليها حاليا بقيادة سيادة الرئيس بن علي.. ينطبق عليها مقولة «يا جبل ما يهزك ريح..» وكذلك «القافلة تسير.. والكلاب تنبح».. أما الأسباب فهي في نظرنا عديدة منها : مسايرة الجوقة الهزيلة التي يديرها الحزب الاشتراكي الفرنسي هذه الأيام ضد تونس ودفاعا عن أذنابهم.. أتباعهم.. عملائهم.. الذين لا يمثلون إلا أشبهاهم القلة القليلة.. والذين أفلسوا إيديولوجيا.. وفكريا.. وسياسيا.. ولكن أين هو الحزب الاشتراكي الفرنسي نفسه حاليا ؟ إنه حزب يشهد جميع المحللين العرب والخبراء الأوروبيين البارزين... يشهدون بنهايته فكريا وسياسيا.. وشعبيا.. ولم يبق منه إلا صراع امرأتين على الزعامة.. والآخرون أتباع.. والسيد دولانوي لا يريد أن يترك أيه فرصة تمر دون المشاركة في هذا الصراع.. لعله يصطاد موقعا.. المستقبل.. رغم أن هذا المستقبل غامض.. إن لم نؤكد على أنه مستقبل سلبي فاشل... ولذلك «فالتونسيون» (بين قوسين..نعم بين قوسين وهذه قضية سنعود إليها بتدقيق وتفصيل خلال المدة القادمة).. لتحديد من هو التونسي «هؤلاء التونسيون الأتباع والعملاء والأذناب أتباع الإشتراكيين الفرنسيين... والاستعماريين الجدد .. الفرنسيين... هؤلاء «التونسيون» يبحثون عن سراب.. ويعيشون في أوهام... ويسبحون في بحور ومحيطات من الخيال. دولانوي وسقوط... «رجل الدولة» ومما يثير الاستغراب لدى عمدة باريس أنه فاقد للشرط الأساسي والجوهري الذي ينبغي أن يتوفر في من يريد أن يكون «رجل دولة».. هذا الشرط هو عمل المسؤولية واعتبار مصلحة بلده الوطنية والابتعاد عن الظواهر الشعبوية السخيفة التي تذروها الرياح لأنها لا تعتمد إلا الشعارات الساذجة والعابرة .. رجل الدولة عليه أن يعتمد الحقائق القائمة التي تؤكدها الوقائع والإنجازات الملموسة البارزة.. وواقع تونس حاليا وما يزخر به من مكاسب يشيد بها الجميع.. جميع المؤسسات.. والخبرات الدولية المشهود بها بالكفاءة والتجرد والموضوعية ولهذه الاعتبارات فإننا نعتقد أن مواقف دولانوي من تونس أبرزت محدودية كفاءته السياسية. على أننا نعتقد أن السبب الأساسي والعميق الذي دفع برتران دولانوي لإعلان موقفه السلبي الجديد من تونس وتدخله السافر في شؤوننا الداخلية وبالتالي تنكره لبنزرتوتونس عموما .. هذا السبب هو الخلفية الفكرية والثقافية الاستعمارية لعمدة باريس. نعم إنه عاش في بلادنا ضمن المجموعة المستعمِرة وعايش شعبنا في بنزرت وكان شعبا مستعمرا. ولذلك وضمن هذا التصور لا نستغرب استعمال دولانوي لعبارات ذات نفس استعماري مهيمن ولو كان الغطاء شعارات مثل «حقوق الإنسان والحريات العامة...» لقد حان الأوان كي نتخلص من مركبات لا مبرر لها جعلتنا لحد الآن لا نطالب فرنسا بالاعتذار الرسمي وبتقديم التعويضات المناسبة للشعب التونسي لما تحمله من ويلات وتنكيل ودمار خلال فترة الاستعمار وما تعرضت له بلادنا من نهب واستغلال جشع وبغيض لخيراتها. ومثلما طالبت كل شعوب العالم مضطهديها وجلاديها بالتعويض عن عمليات التقتيل والسجن والتهجير والنفي يحق لنا اليوم أن نطالب الدولة الفرنسية بالتعويض عن أعمال إداراتها المتعاقبة وتعسف عساكرها على أبناء شعبنا الأعزل خلال فترة الاستعمار. إن الكرامة البشرية كل لا يتجزأ سواء كانت مغاربية أو عربية أو إفريقية. لذلك فإن الاعتداء على هذه الكرامة أو اغتصابها موجب للتعويض بكافة الوجوه والأشكال المعترف بها اليوم دوليا. وفاق وطني أزعج الأعداء والواهمين إن النجاح الذي حققته تونس وهذا الوفاق الوطني حول بن علي وبرنامجه بقدر ما أثار الاعتزاز لدى الوطنيين فإنه أثار الحقد والانزعاج لدى العملاء...والفزع لدى أسيادهم «الاستعماريين الجدد» أمثال برتران دولانوي. ولذلك فإننا نعتقد أن المناسبات الهامة والمصيرية والتاريخية مثل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتميزة التي انتظمت ببلادنا يوم 25 أكتوبر 2009... هذه الانتخابات التي أكدت وفاء شعبنا لسيادة الرئيس بن علي ولبرنامجه الانتخابي الوطني والحضاري الشامل.. إن هذه الانتخابات كشفت المستور..وفضحت ما كان مخفيا وراء بعض المظاهر الكاذبة.. وقد كان كلام دولانوي ضمن جوقة سوء التحق بها مساء يوم 6 نوفمبر أحد المتحدثين باسم الخارجية الفرنسية. وإني أكاد أجزم أني لم أر في حياتي قلة ود أو فساد ذوق أكثر من هذين اللذين ميزا كلام هذا المتحدث عندما اختار ليلة احتفال الشعب التونسي بأكمله بالذكرى الثانية والعشرين للتحول كي يعلن «انشغاله» بأوضاع بعض الأفراد المشبوهين والمتورطين في قضايا حق عام. لقد اقترف الناطق باسم الخارجية الفرنسية عدة آثام في وقت واحد. فهو تكلم عن مسائل مختلقة لا تعكس واقع تونس وحاول بكلامه أن ينزّل بعض الصعاليك المتهورين منزلة الصحفيين ومناضلي حقوق الإنسان. وأتعس من ذلك فإن المتحدث الفرنسي قد صدم من استمع إليه من المواطنين التونسيين في مشاعرهم الوطنية وهم لا يزالون في غمرة الاحتفال بإعادة انتخاب قائد مسيرة بلادهم نحو الحداثة وضامن استقلال وسيادة قرارها. ومن حقنا أن نتساءل لماذا هذه المواقف الرعناء ؟ أهي تخفي استياء بعض المخطئين في الحساب من نجاح المحطة الانتخابية ؟ أم هل هو خوف بعض أصحاب العقيدة الاستعمارية من تسارع خطوات بلادنا على درب الالتحاق بكوكبة البلدان المتقدمة ؟ وبهذه المناسبة نؤكد إكبارنا للإخوة المناضلين الوطنيين رؤساء بلديات: تونس العاصمة - بنزرت -صفاقس- سوسة والمنستير.. هؤلاء الذين نددوا بموقف دولانوي الاستعماري وعبروا عن قرارهم القاضي بالانسحاب من الجمعية الدولية لرؤساء البلديات الفرنكوفونية التي يرأسها. إن تونس- يا عمدة باريس- قد حررت كيانها من الاستعمار الأجنبي منذ 1956.. وهي حاليا تواصل مسارها التنموي الشامل بكامل الاستقلالية.. ولن تسمح لأي كان ومهما كان وزنه أو موقفه بالتدخل في شؤونها الداخلية.. ومما يؤكد نجاح هذا المسار ما حققته من مكاسب وإنجازات في جميع الميادين والمجالات.. إنها قوة هادئة بقيادة رجل التحديات زين العابدين بن علي... وقافلتها تسير...