بعد العرض الاول بتونس العاصمة كان لمسرحية «القرار» لقاء في عرضها الثاني منذ انتاجها مع جمهور المسرح بالمركز الثقافي بسوسة وذلك مساء الجمعة 6 نوفمبر وهي مسرحية من تأليف علي البوكادي اخراج منيرة الزكراوي تمثيل دليلة المفتاحي لزهر بوعزيزي وكمال الكعبي. «حبيب»، «جوتون» و«شهلة» جسّموا شخصيات الطبيب والممرض والطبيعة مستحضرين شخصية زوج شهلة الذي وإن غاب فإنه شكّل مادة لحبْك موضوع هذه المسرحية «البسيكودرامية». ومن الحب من قتل! الاطار المكاني مصحة للأمراض النفسية يبحث فيها الطبيب الحالة النفسية لشهلة بعد تعمدها قتل زوجها لبروده العاطفي معها فتكتشف هذه الاخيرة ان الطبيب المكلف بالحكم على حالتها النفسية كان زميلها أيام الجامعة نشأت بينهما في تلك الايام علاقة حب تأججت لحظة الكشف الطبي لتدخل المسرحية في منعرج آخر يعمّق الاستفسارات حول ماهية المقتول: هل هو الجسد أم ما يصدر من هذا الجسد من خطايا وطبائع سلبية وحول ماهية العاطفة التي نرجو او نتوق اليها هل هي الموجودة فينا ام التي ننتظرها من الآخر وهل انعدامها من هذا الآخر يشرّع لنا قتله؟ أم يشرّع لنا الخيانة كتعويض؟ معادلة النص والاخراج تبقى كتابة هذه النوعية من المواضيع من أصعب النصوص التي يمكن مسرحتها لاقترانها بأدق تفاصيل الجانب النفسي لدى الانسان وبالتالي فهي تتطلب ادارة خاصة للممثل وتقنيات اخراجية لإيصال هذه التفاصيل الى المتفرج دون الخروج عن الاطار الفني الابداعي وقد توصلت المخرجة منيرة الزكراوي الى تحقيق هذه المعادلة بحرفية كبيرة سواء من حيث الاضواء التي شكّلت نصّا تناغم وأحداث المسرحية وشخصياتها أو من حيث ادارة الممثلين والذين ملؤوا الفضاء الركحي الذي كان خاليا من اي ديكتور ما عدا كرسي متحرك. هي رؤية اخراجية عكست اجتهادا كبيرا لهذه المبدعة اضافة الى براعة الممثلين وخاصة لزهر بوعزيزي وكمال الكعبي دون ان ننسى العمل الكبير الذي بذله في الكواليس في المجال التقني حاتم حشيشة. نقاش أكاديمي! كان العرض مشفوعا بحلقة نقاش أدارها المسرحي رضا بوقديدة بحضور المسرحيين علاءالدين أيوب، منير العرڤي، كمال العلاوي، الهاشمي العاتي، وجمع من محبي وهواة المسرح، وايضا بحضور كامل فريق العمل وقدمت المخرجة منيرة الزكراوي المسرحية ومراحل انجازها التي تضمّنت مشقة واجهادا خاصا نظرا لنوعية النص المطروح ونوّهت منيرة في كلمتها على تثمين جهد الممثلين معرّجة على موضوع ادارة الممثلين من طرف امرأة بحكم تجربتها حيث كانت تواجه صعوبات خاصة في مواجهة ممثلين اصحاب تجربة في الميدان حيث رفض عيسى حرّاث في أحد الاعمال التي قامت بإخراجها أن تديره امرأة وأثنت منيرة على الممثل لزهر بوعزيزي حيث كان تعامله مناقضا تماما لتصرف عيسى حراث ولم يكن له مشكل إن كان المخرج امرأة او رجلا بعدها أخذ الكلمة المبدع علاء الدين أيوب والذي كعادته نفذ الى تفاصيل ومشتقات الاشياء حيث أعطى اشتقاقات لعنوان المسرحية مع التأويلات المناسبة لها كما تساءل حول امكانية تصنيف المسرح على غرار الأدب الى مسرح نسائي بحكم ان المسرحية تخرجها امرأة وبطلتها امرأة وهي دليلة المفتاحي وموضوعها حول مشكل يخص المرأة، وثمّن علاء الدين المتعة المرئية والسمعية البصرية على حد تعبيره. أما منير العرقي فعرج على خطاب شخصية الطبيب (لزهر) حيث جعلته المخرجة خطابا رسميا، مؤكدا على قوة الطرح الايديولوجي والاجتماعي مثمّنا جهد المخرج ومثنيا على العمل المبذول في مجال الانارة والصوت. أما الهاشمي العاتي فأعطى قراءته الخاصة للمسرحية وفي حديثه عن الممثلين دعا دليلة المفتاحي الى مراجعة أدائها ولامها على اصرارها على تجسيم جمال المرأة بتعرية الجسد دون ابلاغ المقصود فيما اعتبر كمال العلاوي ان نوعية هذه الاعمال المسرحية تخلّف العديد من التأويلات ورأى ان الجريمة غير واضحة في هذه المسرحية واثار عدة استفسارات أخرى لاقت مثل غيرها اجابات شافية ومقنعة من طرف المخرجة والمؤلف فيما أصرت دليلة المفتاحي على الصمت بعد ان قبلت حضور حلقة النقاش... بإلحاح!!! هذا وتجدر الاشارة الى ان اقتصار الحوار والنقاش على الأكاديميين فقط فيما بقي الآخرون في حالة فرجة حيث لم تمنح لهم الكلمة وتم تعليل ذلك بضيق الوقت وهو ما لم يستسغه العديد من هؤلاء الشبان الذين خرجوا في قمة الاستياء لأنه تم في حلقة نقاش سابقة التعسف عليهم وقطع آرائهم لا لشيء الا لأنها محرجة لأصحاب العمل بمعنى أنها تشير الى سلبيات تلك الاعمال.