رغم إصرار العديد من المسرحيين في تونس وحتى زملائهم في أقطار عربية أخرى على ان المسرح التونسي مازال رائدا ومتقدّما على كل المسارح العربية الأخرى، فإن هناك من المسرحيين والنقاد من تونس ومن خارجها من بات يشك في صحة هذه الريادة على الأقل فيما هو منتوج الآن. ودليل هؤلاء ظهور تجارب عربية أكثر تطوّرا وتقدّما في سوريا ولبنان وأقطار عربية أخرى أضف الى ذلك حالة الركود التي يمرّ بها المسرح التونسي منذ سنوات سواء على مستوى الابداع او الانتاج او التشريعات والسياسة الثقافية. ولسائل ان يتساءل: ماذا تقدّم من إبداع طيلة السنين الأخيرة؟ صحيح ان نسبة الانتاج المسرحي ارتفعت بشكل ملحوظ نتيجة ارتفاع قيمة الدعم المالي الذي تقدّمه الدولة للفرق المسرحية وللفضاءات الخاصة. كما ارتفع عدد الفرق او الشركات والفضاءات الخاصة. ولكن هذا النمو على مستوى الدعم والإنتاج والعروض والفضاءات هل وافقه نموّ على مستوى الابداع حتى يظل المسرح التونسي رائدا في الوطن العربي؟ إن قدوم الخطاف وحده لا يجلب الربيع وكثافة الانتاج وإن كانت إيجابية لا تجلب بل لا تلد حتما إبداعا جماليا اذ باستثناء المألوف المسرحي الذي حفظناه وبتنا ننتظره مثل الخطاف الذي قد يجلب لنا الربيع، تكاد الساحة المسرحية تجفّ من الابداع الحقيقي. والمألوف المسرحي هنا في الأسماء المعروفة مثل الجعايبي والورغي والجبالي وقنون والصايم ورجاء بن عمار وادريس. وحتى هذه الأسماء تضاءل إبداعها وفيها من فوّت فيه او حوله الى الإدارة.. ماذا بقي؟ إسم او اسمين وفي أقصى الحالات ثلاثة تعمل مع بعض الشباب الذي مازال بدوره يبحث عن معنى او مفهوم لما يبدعه. أما البقية فقد استقالت او تاهت بين سياسة الدولة التي تودّ من جهة إرضاء كل الطالبين لمنحة الدعم ولو على حساب الكفاءات من أصحاب الابداع الحقيقي ومن جهة أخرى تحقيق المعادلة الصعبة وهي الريادة وفي معناها الآخر المسرح المتقدّم. إن ريادة المسرح التونسي بات مشكوكا فيها الآن نتيجة استقالة العديد من المسرحيين وجفاف ملكة الابداع لديهم، وشح الدولة في دعم المبدعين من الشباب، كما ان التشريعات القديمة في تنظيم القطاع لم تعد مواكبة لما هو جاري الآن وخصوصا في الدول ذات المسارح المتقدمة والأكيد ان أيام قرطاج المسرحية ستكشف لنا حقائق كثيرة من هذا وخصوصا فيما إذا كان المسرح التونسي مازال رائدا في الوطن العربي أم لا !