... فعلا، يجوز الآن بالذات، أن نتساءل: عن أي قمّة ثقافية يتحدّث السيد عمرو موسى، وقد بدا السجال باعثا على السخرية، ذاك الذي دار ولا يزال بين مثقّفي بلدين عربيين، حول مباراة لكرة القدم؟ في أصل القصّة، يقول الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن قمّة ثقافية سترى النور قريبا، وقد كان منطلقها فكرة وتحضيرا، ندوة مؤلّفة من مائة (100) مثقّف وفيلسوف، تنادتهم الجامعة العربية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حتى يُرفع الضّيم عن وجه الأمّة، عقب تلك الأحداث... لكن حجم الكارثة التي حلّت بنا هذه المدّة، وكشفت المستور، أكّدت أننا بحاجة الى قمّة لتنظيف البيت من الداخل وليس لتلميع صورتنا لدى الخارج... مازال أمامنا الكثير....أشواط وأشواط تنتظر مثل هذه القمّة، التي خصّ موسى الاعلان عنها صحيفتنا... بدت وسائل الإعلام ومن يدور في فلكها من مثقّفين وأهل السياسة، في كل من الجزائر ومصر، وكأنها تدخل في هستيريا لا متناهية... فتحوّل التناظر، الذي كان مفترضا أن يكون عبر حركة الترجمة... أو عبر العلماء والباحثين، الى تناظر بالأقدام... وبأقذع الشتائم التي من المفترض أن لا تخترق وسائل الاعلام بكل أصنافها... كرة القدم... هذا الأفيون الجديد... يحقّ لنا أن نتساءل، وقد تراكمت الأخطاء من هنا وهناك: أبهؤلاء ستنجز قمّة ثقافية عربية؟ هؤلاء الذين يتّخذون من شاشات التلفزيون ومن الجرائد، محطّات لاطلاق صواريخ مقذعة وموجعة للذات العربية... والتعلّة عند هذا وذاك: الكرامة الوطنية؟ أي كرامة وطنية يمكن ان تتحقق أو تداس، بأرجل لاعبين مهرولين حول كرة، ليس لهم الحق سوى دحرجتها بالاقدام؟ لقد بلغ السيل الزّبى، وبدا المشهد الثقافي العربي في أحلك فتراته... فقد تذكّرنا «داحس والغبراء» و«حرب البسوس» و«الأوس والخزرج» وكل المعارك العربية العربية، التي نلجأ إلى استذكارها، كلّما أردنا درء خطر الفرقة والصّدع العربيين. السجّال بين الأمم، مخابر ومنابر ومنظمات، في هذه الأيام موضوعه: التلقيح ضدّ «أنفلونزا الخنازير» مجد أم غير مجد، فيما دخل، عندنا، بلدان عربيان في حمّى سجال حول الكرامة والوطنية، وكأن كرامتنا جميعا وذاتيتنا نحن العرب، مازالت لم تمسّ بعد.. أو أنها لا تهدد يوميا في مطارات ومدن العالم، وفي بغداد والقدس المحتلّتين.. كرة القدم.. هذا الأفيون الجديد.. إحساس بالغبن، ينتاب كلّ فرد فينا، وفي الحلق سؤال لا يزال يضنينا: لماذا دسنا على مستقبلنا وعبثنا بحاضرنا وشتمنا ماضينا..؟ ما جرى بين الجزائر ومصر، ليس خاصا بالبلدين المذكورين، بل هي عقلية، جاهزة، وكانت ستكون بين أيّ بلدين عربيين.. القضية ليست في الجزائر ومصر، ولماذا تصرّف إعلاميوهما كما تصرفوا ونطق مثقفوهما بما نطقوا وتفوّه سياسيوهما كما تفوهوا، القضية، كل القضية تكمن في هذه العقلية السائدة في المشهد العربي: الاستئساد على الشقيق، وخفض جناح إلى الأجنبي المحتلّ الغاصب.. هذه العقلية الجديدة، التي تكشف العجز العربي، في أدنى درجاته، تجعلك تنظر بلا تعجّب وبلا نعرة غيرة، إلى فلسطين تستباح كلّ صباح والعراق يغتال كلّ مساء، من احتلالات مختلفة ومتكاملة في الآن نفسه، فلا حراك ولا ممانعة ولا «تجييش» ولا «تحريك» للجماهير باتجاه القصاص من الاستعمار، في حين تستلّ السيوف من الأخ تجاه أخيه والرّهان: كرة قدم.. تحوّلت إلى أفيون.. أفيون «الخاصّة» وليس «العامّة».. أفيون «النّخبة» وليس «الشعب».. لأن الشعب العربي، أشدّ وعيا، وأكثر حذرا من أن ينزلق في مثل تلك المتاهات، التي حاولت أن تنصبها له، وبغشّ، الطبقة الرسمية ومما يدور في فلكها، حتى تصبح للكرامة عناوين.. أخرى.. تنطلق وتجثم على أرضية ملعب معشب، أتحدى أي عربي مسؤول، ان كان ذاك العشب أو ما يحيط بالملعب، من خلق وإبداعات البلد الذي ينتمي إليه الاحد عشر لاعبا.. لكرة قدم.. تحوّلت إلى أفيون.. فهل تغضب.. أيها العربي.. لهذا الواقع المرير..؟