كما كان منتظرا، وانطلاقا من حالة الفراغ الفكري... وغياب الجدل المعرفي... تصاعدت وتيرة التنابز بالألقاب... بين المصريين والجزائريين... فقد فتحت مباراة «كرة قدم»، أبواب جهنّم علينا جميعا... وكشفت تلك اللعبة التي تحوّلت الى أفيون، يدفع بالجماهير تباعا نحو غيبوبة دائمة، كشفت المستور... كشفت عوراتنا... وبيّنت أننا لا نزال نحن العرب، نرمق الحضيض ولا نرفع رؤوسنا الى السماء... كرة القدم... هذا الأفيون الجديد... كنّا ونحن نناضل في الجامعة، أيام الزمن الجميل، زمن الحلم... زمن ظننّا أو أوهمنا أن الثورة لا ينقصها إلا نحن، حتى تُعلن... في ذاك الزمن، حدث أن تناولنا كيف يمكن، وعند انطلاق الثورة، أن تبثّ شعارات قوية... شعارات الثورة من أجل التغيير... تغيير من زمن الكآبة والكدح الى الزمن الجميل... شعارات نبثها بين جماهير كرة القدم... فليس هناك تيّار سياسي ثوري، ومؤمن بالتغيير بامكانه ان يحشد جمعا من الجماهير (من حيث العدد) مثلما تفعله مباراة كرة قدم... وقد عرفت الفكرة سجالا بين مؤيّد ومتعفّف أن كيف يكون العمل السياسي التحريضي، وشعارات الثورة النبيلة، موضوعا من مواضيع ساحة كرة قدم... ومصيرها بين أرجل لاعبي كرة القدم... وها نحن اليوم نعيش مثل هذه القصّة، ولكن بمقاصد دنيئة وفيها اسفاف... وبها توجّه نحو الحضيض... والحضيض كما نعلم، ليس له قاع... «عشنا وشفنا»... أقدام تدحرج لفّة من الجلد، تحكم مصير أمّة... وتحدّد حدود القومية... وتتحكّم في الوحدة العربية! كرة القدم... هذا الأفيون الجديد... كانت فرحتي كبيرة... وإيماني بالفكرة أكبر، عندما نطقها السيد عمرو موسى: قمّة ثقافية، يفرد بها هذه الصفحات في «الشروق» في اللقاء الذي خصّنا به في القاهرة الأسبوع الفارط... كنا في حاجة الى لقاء على مستوى القمّة من أجل توحيد الجدار الثقافي وقدّه قدّا، فنحن أمّة تعبت من واقعها وأرّقتها التحديات...، تحديات حضارية...وثقافية... لم تبدأ منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 كما يصوّر البعض، بل بدأت حسب اعتقادي، ودون مبالغة، منذ وضعنا العقل العربي وسنّة الاجتهاد في «الثلاجة»... أي منذ القرن الثالث عشر بالتحديد... كرة القدم... هذا الأفيون الجديد... ما كشفه السجّال الهابط، بين «صفوة» القوم من أهل الثقافة والاعلام والسياسة، حول مقابلة كرة قدم، هو أن الثقافة والسياسة، يصنعهما لاعبو كرة قدم وليس مراكز البحث والأحزاب و«الخارجيات»... وهذا لعمري، مؤسف ومخجل... ويبعث على القنوط... لم يعد هناك مجال، لسؤال حيرة، وقد انطلقت الأصوات من هنا وهناك، تندّد بالعروبة... وتستبيح التاريخ... وتسخر من الجغرافيا... اختلط «الحابل بالنابل»، وهذا كثيرا ما يحدث في الأزمنة الرديئة، وفي مواقيت التخلّف التي تُبلى بها أمم خلال مسيرتها التاريخية... لكن ما يحدث لأمّتنا تجاوز كل الحدود... إذ أن غفوتنا طالت ودامت...وها هي تتحوّل اليوم الى رداءة واسفاف... ومن خلال ملعب كرة قدم، توشك علاقات أن تُقطع... وتدخل «داحس والغبراء» في حرب جديدة... كرة القدم... هذا الأفيون الجديد... شتائم متبادلة... على صفحات جرائد وشاشات تلفزيونية وعلى موجات محطّات اذاعية... بين اعلاميين وسياسيين وفنانين... ما الذي جرى، حتى تنقلب الأمور رأسا على عقب؟ فهذه وسائل اعلام، وجدت لكي تؤطّر الرأي العام وتقوده نحو الأعلى.. ألم ينعتها «كارل ماركس» بالبنى الفوقية؟ فإذا بها (وسائل الاعلام) تنفلت بلا ضوابط ولا حدود، ويتحوّل المشهد العربي فرجة، لمن يريد أن يجعله فرجة فعلا... الغريب في كل ما حصل، أننا لم نسمع مشادات ولا تصريحات فيها شتائم صدرت من اللاعبين، مصريين أو جزائريين... لقد صمت اللاعبون... وتكلّم الاعلاميون والسياسيون والرسميون، فكان «الطابور الخامس» على الخط... تلقّف «الكرة» وأغرق القضية في وحل الحرب الاهلية... فعن أي قمّة ثقافية نتحدّث... وإسفين الفرقة قد دقّ؟ فإلى حلقة قادمة من خيباتنا المتجدّدة... وانكساراتنا التي لا تنتهي...