عاجل – للتونسيين: ''يوم عطلة'' في جويلية للموظفين في القطاعين العام والخاص    من الكراء للملكية... مشروع قانون جديد على طاولة مجلس الوزراء بش يسهّل الحلم بالمسكن للتونسيين !    زيلينسكي يتحدث عن دعم عسكري أمريكي وأوروبي مرتقب لأوكرانيا    البنتاغون يقرّ بإصابة قاعدة العديد في قطر بصاروخ إيراني    عاجل -مفاجأة هذه الجمعة: تونسي يسجّل رقم عالمي في موسوعة غينيس!    ليفربول يودّع جوتا: حجب القميص رقم 20 وتكريم غير مسبوق    الدوري الماسي – ملتقى موناكو: التونسي محمد أمين الجهيناوي في المركز الثامن بسباق 3000 متر موانع    وزارة التعليم العالي تعلن عن موعد الحصول على كلمات العبور الخاصة بالناجحين في دورة المراقبة للبكالوريا    عاجل/ عاصفة قبلي وتوزر: مهندس بالرصد الجوي يقدّم تفسيرا للظاهرة    عاجل/ فرنسا ترحّل تونسيا محكوم بالسجن 132 عاما    المنستير: توسعة ميناء الصيد البحري بطبلبة وانجاز مركّب تقني وتأهيل مركز التكوين محور اجتماع اللجنة الجهوية للتسريع في المشاريع العمومية    لافروف: نحذر الولايات المتحدة وحلفاءها من خلق تهديدات أمنية لروسيا وكوريا الشمالية    بالقفطان والبرنس.. نجل زيدان وزوجته يحييان التراث المغربي    كارلسون لا يستبعد احتمال عمل إبستين مع الموساد وممارسة الابتزاز لصالح إسرائيل    ارتفاع عدد ضحايا الغرق في فرنسا بنسبة 58 بالمائة خلال موجة الحر    جلسة بوزارة التجهيز لمتابعة تقدم تنفيذ مشاريع الجسور والطرقات لسنة 2025    عاجل/ اليوم: أمطار غزيرة ورياح تتجاوز سرعتها 80 كلم/س بهذه المناطق    النصر السعودي يسعى لخطف نجم ميلان الإيطالي    همس الموج...شاطئ «عين الداموس» أو «كاب حمام» ببنزرت.. الهدوء والسكينة .. وروعة التضاريس    مخطط التنمية 2026 – 2030: اقتراح 132 مشروع بمدينة الحمامات    مصادر دبلوماسية: مؤتمر الأمم المتحدة لحل الدولتين سيعقد في 28 و29 جويلية    معالم وآثار: توزر... دار بن عزوز .. منارة داخل المدينة العتيقة    تاريخ الخيانات السياسية (12) بين الحجّاج و ابن الأشعث    تونس – القلعة الكبرى: العثور على فتاة ميتة في منزلها بحبل ملتف حول رقبتها    فاجعة في صفاقس... وفاة إمرأة ب«لدغة» عقرب!    الحكومات العربية باتت مهتمة بالاستخدمات السلمية للتكنولوجيات النووية    بالمناسبة .. .مهازل مهرجان قرطاج وفضائحه    في ظلّ غياب الخصوصية والتميّز والإمكانيات: ما الهدف من كثرة المهرجانات في سوسة؟    قرطاج لا يُغَنَّى فيه مجانًا... تصريح رسمي يحسم الجدل حول مشاركة الفنانة أحلام    سينر يهزم ديوكوفيتش ويتأهل لنهائي ويمبلدون للمرة الأولى    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    الكولستيرول الجيد والكولستيرول الضار: هل تعرف ما هو الفرق؟    للناجحين في دورة المراقبة للبكالوريا: هكذا تتم عملية التوجيه الجامعي 2025    عاجل | السفارة الإيطالية تحذّر من دفع المال مقابل تسريع مواعيد التأشيرة    الجامعة العامة للنقل تُحمّل وزارة النقل تداعيات إضراب أعوان شركة قرقنة المزمع تنفيذه يومي 17 و18 جويلية الجاري    تلامذة من تونس يلمعو عربياً في تحدي كبير! شكونهم؟    الجزائر: حمود بوعلام يشتري رُويبة ويُقصي الفرنسي ''كاستيل'' من السوق    تاكل تُن وانت مريض سكر؟ إنت في الأمان ولا تغالط في روحك؟    تونس: البنك الأوروبي للإستثمار مستعد لتمويل مشاريع ذات النجاعة الطاقية ومكافحة الهدر المائي والنقل الحديدي    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية " تتضمن دراسات وفتاوى لأعلام الزيتونة    توزر: تواصل التدخلات لإزالة آثار العاصفة الرملية    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    البنك الإفريقي للتنمية: النمو الاقتصادي في تونس سيبلغ 1.9% في 2025...    العجز التجاري لتونس يتفاقم بنسبة 23،5 بالمائة    النادي الإفريقي: رئيس الهيئة العليا للرقابة يكشف عن ديون سابقة لم يتم تسويتها    القصرين: حجز 11 طناً من البطاطا المخزنة خارج المسالك القانونية بمدينة بوزقام    موفى جوان 2025: عجز تونس التجاري يتفاقم إلى 9،900 مليار دينار..    ما ترقدش بكري؟ المخ، القلب، والمعدة يدفعوا الثمن!    كأس العالم للأندية 2025: صراع محتدم على الحذاء الذهبي قبل االمباراة النهائية    مانشستر يونايتد يتعاقد مع المهاجم الفرنسي إنزو كانا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية حسب نسب النجاح في امتحانات الباكالوريا 2025 عمومي    مقداد السهيلي: أنا ما نيش هاوي وإلا جيت لبارح باش نوري وجهي ونستنى باش يشجعني الجمهور    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منظمة الصحة العالمية تمنح رئيس الجمهورية درع الاتفاقية الدولية للوقاية من الجوائح..    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    سعيّد: كلّ تظاهرة ثقافيّة أو فنيّة يجب أن تتنزّل في إطار قضايا الحريّة والتحرّر    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    









خميسيات آدم فتحي: نظرية المصعد ذي الاتّجاه الواحد
نشر في الشروق يوم 25 - 11 - 2009

نقطتان لفتتا انتباهي بشدّة وأغريتاني بالعودة إلى موضوع الأحداث التي صاحبت وتلت مباراتي التأهّل إلى مونديال 2010 بين مصر والجزائر وفرنسا وإيرلندة:
أمّا النقطة الأولى فتتمثّل في الطقوسيّة العصابيّة الشبيهة بأجواء حفلات الزار التي دارت فيها المباراتان وغلبت ملامحها على الخطاب المتشنّج وغير الواعي (كدتُ أقول المنخطف) الذي عقبهما. وهي طقوسيّة تدعم الرأي القائل بأنّ الفوتبول أصبح أفيون الشعوب الجديد والديانة الوحيدة القادرة على منافسة الديانات التقليديّة. من ثمّة قد نفهم ربّما لماذا قوبل هدف تيري هنري في فرنسا بنزعة من الطهرانيّة العارمة غير المسبوقة، كما قد نفهم لماذا كان «الشيخان» القرضاوي ومدني أوّل «سياسيّين» عربيّين يبادران إلى التدخّل والاستنكار.
وأمّا النقطة الثانية فقد تبدو نقيضًا للأولى بينما هي مجرّد وجهٍ آخر لنفس العملة، وتتمثّل في ما غلب على الخطاب الرسميّ من «السينيزم» المتستّر بالحماسة الوطنيّة الأخلاقويّة. فجأة نسي الجميع يد مارادونا الإلهيّة، وفجأة أصبح تيري هنري خطرًا يتهدّد الهويّة الفرنسيّة التي قد تلتصق بها تهمة الغشّ، وفجأة اكتشف الكثيرون مزايا الدفاع عن النظافة والكرامة والنزاهة والقيم، ناسين أو متناسين أنّهم نتاج مجتمع يتفشّى فيه الفساد وتُداس فيه الكرامة وتُعتبر فيه النزاهة نوعًا من السذاجة والغباء وتسوده قيم المنفعة والربح مهما كان الثمن.
ليست المشكلة في كرة القدم، بل هي في التوظيف الذي أصبحت الرياضة وجماهيرها ضحيّة له، بفعل الحلف الوحشيّ القائم أكثر فأكثر بين المال والسياسة والإعلام. هذا الحلف الذي غلّب التمثيل على الواقع، حتّى غدونا أمام عالم افتراضيّ حلّ محلّ العالم الواقعيّ، موهمًا مدمنيه بأنّهم في الملاعب أجمل ممّا هم في الواقع، وأنّهم عن طريق اللهو يعوّضون عن هزائمهم ويصالحون بين المردوديّة والاستيطيقا والإيطيقا في لحظة واحدة، مستعيدين بكارتهم الأخلاقيّة الضائعة، متمكّنين من ترجمة الثالوث المحرّم في الواقع (الدين والسياسة والجنس) إلى ثالوث حلال، يفتح لهم آفاقه الرحبة من جهاته الثلاث.
من الجهة الأولى: تتحوّل الملاعب إلى معابد افتراضيّة يتوهّمون أنّها تتيح لهم العبادة الوحيدة التي لا يفرضها عليهم أحد، وأنّهم أنداد لمعبوداتهم فيها بل متفوّقون عليها ويستطيعون الإطاحة بها في أيّ لحظة، وأنّهم أحرار في لعب دور الشيخ والمريد والرسول والمفتي في الوقت نفسه...لكنّهم سرعان ما يكتشفون أنّهم يعيدون إنتاج موقعهم في سياق نفس الهرميّة وتبعاتها، مع فارق أنّهم أصبحوا أكثر انفصامًا.
من الجهة الثانية: تتحوّل الملاعب إلى «آغورا» افتراضيّة يتوهّمون فيها أنّهم يمارسون حريّتهم في التفكير والتعبير وتغيير اللاعبين والممرّنين والاحتجاج على الحكّام والمحاسبة والمطالبة بالنتائج...ثمّ سرعان ما يتّضح أنّها «آغورا» كاذبة، لأنّها تعيد إنتاج آليّات الاستبداد عن طريق العدد...وعن طريق إحلال التافه محلّ الجوهريّ، لتشتيت الانتباه عن أسئلة الواقع الاجتماعيّ والاقتصادي والسياسيّ والفكريّ.
ومن الجهة الثالثة والأخيرة: تتحوّل الملاعب إلى نوع من غرف النوم المفتوحة، يتوهّمون فيها أنّهم يتحقّقون فحوليًّا على سرير العشب ضمنَ طقس جماعيّ ذروتُهُ إيلاج الكرة في الشباك، في نشوة عارمة يخرج على إثرها اللاعبون عن طورهم منسلخين من الزيّ الرياضيّ ملوّحين به مثل قميص البكارة راكضين عراة، ملتحمين بأنصارهم الذين يتداعون لهم بالعنف والتكسير والكلام الفاحش، تعبيرًا عن الفرح أو السخط وأيًّا كانت الشبكة التي ولجتها الكرة. بينما يشهد الواقع تفاقمًا لابتذال الجسد واستعباده، واستفحالاً للخصاء الرمزيّ والماديّ تؤكّده الدراسة ويثبته البحث.
ولو تعلّق الأمر بنوع من الكاثارسيس لهان. ولو كانت الطرق سالكة بين هذا العالم الافتراضيّ والعالم الواقعيّ لصفّق الجميع. فالثقافة البشريّة «ملعوبة أوّلاً» كما قال علماء الاجتماع. والرياضة تساهم في بناء شخصيّة الإنسان وفي تمتين اللحمة بين جسده وعقله وفي تنشئته على قواعد العيش معًا وفي إدارة حوار نزولٍ وصعودٍ بين عالمي الواقع والحلم. لكنّ ما يحدث اليوم مختلف عن كلّ ذلك.
نحن اليوم أمام مصعد ذي اتّجاه واحد.
والمطلوب من هذا المصعد أن يقذف بالإنسان في عالم الافتراض دون رجعة، كي لا يؤثّر الافتراضيُّ في الواقعيّ إلاّ سلبيًّا، أي من جهة تأبيده وتأبيد المستفيدين منه.
ومن ثمّ كلّ هذا العنف، والعنف الذي ينذر به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.